للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيته، وأدخله إليه، وهاهو يمشي على الخطى التي سار عليها من قبل نبيُّه وحبيبه وخاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويتعرَّض مع سائر ضيوف الله في بيت الله لما يقسمه ربنا على أهل الحرم من عطاء الرحمة والمغفرة والتجليات الإلهية.

إنه ما لم يخشع القلب والجوارح، فإنّ العبادة ستولد ميتة، وستبقى حبيسة الحركات الرياضية التي لا سلطان لها على هذا الإنسان تأثيراً وتغييراً، وسيكون ذلك مجرد طقوس لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأن تمام الاقتداء لا يفي بغرضه الشكل والرسم، والقلب شارد غافل، لذلك فإن العبارة التي يكثر تردادها على الألسن: "ها هنا تُسْكَبُ العبرات، وتذهب الحسرات وتجاب الدعوات، وتقال العثرات، بإذن ربّ الأرض والسموات".

فأول ما ينبغي على الطائف فعله هو أن يتوجّه إلى ربه بقلب حاضر، وأحاسيس حرّى تستشعر جلال الموقف، فيسارع اللسان إلى ترجمتها أدعية ومناجاة وسؤالاً للمولى عزّ وجلّ من مجامع الخير الدنيوية منها والأُخروية، في لوحة يرسم الرجاء فيها العبد الذي يستحضر الذنب والخشوع، ويرسم العطاء فيها الخالقُ الكريم الذي يبسط يده للمسيء الشارد مهما طالت سنوات البعد عن الله، لينعم الضيوف جميعهم بالأمن والمغفرة والاستجابة والسلام، لذلك لاغرو أن تجد على باب الكعبة آيات تذكّر الحاج والمعتمر برفعة هذه المعاني التي تحمَّل من أجلها المشاق، من نحو قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} [الحجر: ٤٦] {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ١٢] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣].

<<  <   >  >>