للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا مكان عظيم لا يسأل فيه غير الله، ولا يلتفتُ في أرجائة لغير الله، لذلك يروى أنّ هشام بن عبد الملك دخل الكعبة فلم يدْعُ معه غير منصور الحجي، فقال له هناك: سلْ حاجتك، فقال له منصور: ما كنت لأسأل غير الله في بيته، فلم يسألهُ شيئاً. كما رُوي عن سفيان بن عُيَيْنه قوله: سمعتُ أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: السائل ببابك انقضت أيّامه، وبقيت آثامه، وانقضتْ شهواته وبقيت تبعاته، لكلِّ ضيف قِرى، فاجعلْ قِرايَ الجنة".

أما أن ينغمس الطائف حول البيت بمظاهر الغفلة عن الله، والتشاغل بأسباب الدنيا، فهذا لا يليق بالعبد التائب، ولا يصح ممّن صدق في توجهه إلى ملاذ الأمة الآمن، فأُنادي في هؤلاء الغافلين بقايا تعظيمٍ لله عزّ وجلّ في رحاب بيته المحرَّم:

يا مَن يطوفُ ببيت الله بالجسد ... والجسم في بلد والروح في بلد

ماذا فعلت؟ وماذا أنت فاعله؟ ... مهرِّج في اللقا للواحد الأحد

إنّ الطواف بلا قلبٍ ولا بصرٍ ... على الحقيقة لا يشفي من الكمد

ومن سنن الطواف التي ترتبط بهيئة الخشوع هذه، تركُ الأكل والشرب، ويلحق بهما شدة توقانه إلى الأكل، فيكره تلبّسه بما ذكرت.

أمّا الكلام فهو خلاف الأولى مالم يكن بخير.

ومن ذلك تركُ وضع اليد على فيه بلا حاجة، وكذا تفريق الأصابع، وفرقعتها.

فإذا بلغ الركن الشامي قال: "اللهمّ اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور، ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم، إنّك

<<  <   >  >>