للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاكم بإسناد صحيح: "اللهمّ! قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلفْ عليّ كل غائبة لي منك بخير".

وما بين الأركان والأجزاء المختلفة من البيت يدعو بما شاء من خيري الآخرة والدنيا، لنفسه، ولأمته التي قدم إلى الحج على أنه أحد المندوبين عنها في مؤتمرها العالمي العظيم، أو يملأ وقت الطواف بتلاوة آيات من كتاب الذكر الحكيم، وهو ما رجحه إمامنا الشافعيّ؛ لأنّ الطواف صلاة، وكلاهما موضع للذكر، وأفضل الذكر على الإطلاق كلام الله عزّ وجلّ؛ ولأن الدعاء المتفق على تفضيله بين كافة الفقهاء: "ربنا آتنا ... " هو نصٌّ لآية من كتاب الله عزَّ وجلَّ، أي هي قرآنٌ يتلى، لذلك قال الإمام النووي: "ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى أنه يستحب قراءة القرآن في طوافه؛ لأنه موضع ذكر، والقرآن أعظم الذكر، قال أصحابنا: وقراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور، وأما المأثور فهو أفضل منهما على الصحيح (١) ". ثم قال: "قال الشيخ أبو محمد الجويني: ويحرص على أن يختم في أيام الموسم في طوافه ختمة" (٢).

أما ما وراء ذلك من الأدعية التي سردتها عليك، ونقلتها لك عن كتاب "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام الغزالي، والتي امتلأت بها معظم الكتب المدونة في مناسك الحج فإنه لم يصحّ منها شيء وإنْ استحبها الكثير من الفقهاء، لذلك لم يوردها الإمام


(١) اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح في مناسك الحج للنووي ص ٢٧١.
(٢) قال الإمام ابن حجر الهيتمي في تعليقه على كلام النووي هذا: "اعترض بأنه لا سند له في ذلك، ويُردُّ بأن الشيخ إنما قصد بذلك التحريض على هذا الخير الكثير فإن في ختم القرآن بمكة فضلاً عن الطواف سيما في شهر الحجة، ومع اشتغاله بأسباب الحج ومتاعبه ومتاعب السفر من الخير والثواب ما يعجز الإنسان عن حصره، فكان في قول الشيخ: ويحرص إلخ، من الدلالة على هذا الخير العظيم تنبيهاً للناس على الاعتناء بذلك والحرص عليه، فالاعتراض عليه بما ذكر ليس في محله، ومن ثم أقره المصنف وغيره على ذلك، ثم رأيت ابن الجوزي قال: قال إبراهيم النخعي: كان يعجبهم إذا قدموا مكة أن لا يخرجوا حتى يختم القرآن، وفيه تأييد لكلام الشيخ رحمه الله على ما مرّ آنفاً في نظيره".

<<  <   >  >>