مدرسته النموذجية، فالتلبية التي يرددها الحاج عندما يحرم هي شعار التوحيد، واختيار سورتي ركعتي الطواف ترسيخ لهذا الشعار وتوثيق لعرى التوحيد، ثم الدعاء على الصفا والمروة تجسيد لمعناه، ثم دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ... هو خطوة تربوية في هذا الطريق. أما تحرير نية الحاج خالصة لله تعالى، والتأكيد على إخراج مفسدات الأعمال من العبادة من طلب رياء أو سمعة أو مباهاة مما يدخل في عداد الشرك الخفي - سواء في الركن الخامس خاصة أو في سائر أركان وعبادات الإسلام - فهذا مما يدفع أي شبهة قد يقذفها محترفو الغزو الفكري في وجه حصون ديننا المنيعة.
إن هؤلاء الذين تتطلع أحلامهم الآثمة إلى هدم هذا المحور الجامع - الذي بناه الله قبل أن يُبنى فوق الأرض بيت - تُعمى أبصارهم عن رؤية الكعبة وحجارتها تخفق حباً وجلالاً في قلوب المؤمنين، فيحملهم الحقد إلى تسويغ ذلك على أنه لون من الوثنية، في الوقت الذي لا ينظرون فيه إلى قماش العلم الخاص بكل دولة المرفرف في قلوب مواطنيها وفوق هامات المنازل والمدارس والثكنات وهي تُلقي عليه تحية الصباح على أنه عبادة بغير ما أنزل الله؟ فلماذا لا يقال: إن جنودهم يعبدون قطعة القماش التي لو أهينت لتحركت جيوش المحيطات ثأراً لكرامتها؛ لأنها رمز لسيادتهم، ثم لا يرضون منا أن نرى في حجارة البيت المتماسكة وحجري الركن والمقام رمزاً لتوحيدنا وعبادتنا وسيادتنا ووحدتنا وقوتنا على أنّ قدسية البيت وهيبته ترد من الجهة المعظِّمةِ له وهو الذات الإلهية، فلا يقارن بأعلام الدنيا كلها التي ترنو إليها عيون الجنود والأتباع.
نعم إن البيت وما حوله رمز لاستسلامنا لأوامر ربنا الذي لا إله إلّا هو المتفرد بالخلق والفعل، يضفي عليه أمر الله، ثم فعل رسول الله الذي هو وحي من عند الله