للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كرامة خاصة يقوي آصرتها اعتقادنا أن الله يخص بالفضل من يشاء وما يشاء فإذا كان اختصاصه بين البشر مُنْصَبّاً على أسرة الرسالة السماوية وفي مقدمتهم آدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم أزكى تحية وسلام وإذا كان اختصاصه بين الجمادات منصَبّاً على عصا موسى ويد عيسى وحجارة الكعبة وحجر المقام وما شابه مما أولاه ربنا فضلاً ورفعة، فإننا نتجاوب مع هذه العناية الخاصة بما نظر إليه ربنا نظر اختصاص ونمضي معه مراعاة لكرامته دون أن يمس ذلك توحيدنا لرب العالمين وخضوعنا لسلطانه (١).

ومما يؤيد مما توسعت في بيانه أنه لم يرد في السنة شرف التقبيل أو المسح لأي جزء من حجر المقام، وأن غاية ما يقتصر عليه الاتباع هو اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وهو الأدب الذي نلتزمه دون تكلف أو تزيد؛ لأن خضوعنا الحقيقي هو لله رب العالمين، وليس لحجارة صماء لا تقدم ولا تؤخر مهما بلغ شأنها؛ لذلك فإن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - لما رأى قوماً يمسحون المقام قال: إنكم لم تؤمروا بمسحه إنما أمرتم بالصلاة عنده (٢).

كما كره عطاء أن يقبل الرجل المقام ويمسحه (٣) وقال قتادة: إنكم لم تؤمروا بمسحه


(١) ربنا سبحانه وتعالى لا يخص شيئاً ولو كان جماداً إلّا لحكمة فالحجران حجرا الركن والمقام جاء أنهما ياقوتتان من جوهر الجنة ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب حتى قال الحسن البصري وغيره من العلماء: إن الدعاء خلف المقام مستجاب. والحق أن علماءنا اليوم وفي مقدمتهم الأستاذ زغلول النجار يطالبون بإلحاح للسماح لهم بأخذ عينات من هذين الحجرين يصرّون على أنه سيتم الاكتشاف لهما، وستكون هناك نتائج تذهل البشريه، هذا ومن جانب آخر فإن الصخرة التي تُشَقُّ منها أحجار عدة لا يشترط في العقل والعُرْف أن نرى تلك الأحجار بمنظار واحد فالحجر الذي يوضع في المرحاض لا يمكن أن يتساوى مع الحجر الذي يوضع في المحراب مع أنّ الحجرين قُطِّعا من أوصال صخرة واحدة ولا علاقة لعبادة الأوثان بهذا التمييز.
(٢) اُنظر تاريخ مكة المكرمة قديما رواية للدكتور محمد إلياس عبد الغني (٧٠) فيما نقله عن كتاب أخبار مكة للفاكهاني برقم (١٠٠٤).
(٣) نفس المرجع والصفحة.

<<  <   >  >>