للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] أي فرض ثم إنّ صيغة: "اسْعَوْا" للأمر ومقتضى الأمر الوجوب كما تفيده قواعد الأصوليين.

نخلص من هذه الدراسة إلى أن مذهب الأئمة الثلاثة على أن السعي ركن من أركان الحج لا يصح من غيره ولا يتم التحلل من الطواف إلّا بالإتيان به.

وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة النعمان ـ رحمه الله ـ حيث انتهى به اجتهاده إلى أن السعي واجب فإن تركه عصى وصح حجه (١)؛ لأن النص الذي يحمل على الفرض عنده هو ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة فأما النص القرآني {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} فهو وإن كان قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة لما سيأتي.

وأما الحديث الشريف: "اسْعَوْا ... " فإنه ظني الثبوت وما كان كذلك فإن أئمة المذهب الحنفي ومجتهديه يحملونه على الواجب كما هو المشهور في أصول مذهبهم.

إذن السادة الحنفية لم يحملوا الآية الكريمة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} على ركنية السعي؛ لأنها لم تصرح بالفرضية، وإنما وردت لرفع الحرج والإثم عن الطواف بين الصفا والمروة بعد أن التصق السعي بينهما بالجاهلية وأعمالها وهو ما صرح به الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وعلَّله به فيما رواه عنه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في


(١) أي ويجب تركه بدم عنده وقد تحدث أستاذنا الدكتور نور الدين عتر حول ما يترتب على هذا الخلاف من أحكام في كتابه "الحج والعمرة في الفقه الإسلامي" في الباب الثالث الفصل الأول ص ٩١. فقال: "وعلى مذهب إيجاب السعي فقد يسعى وهو حلال عند الحنفية إذا فعل ما يتحلل قبل السعي أما على أنه ركن فلا يتحلل إلّا بعد السعي". أقول: المقصود من كلام فضيلته أن الحج في مذهب أبي حنيفة له أن يتحلل منه برمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة دون أن يسعى؛ لأنَّ السعي عندهم ليس بركن، لكنَّ تركَ السعي يلزم عليه دم عندهم لذلك فإن الحاج سيسعى بعد تحلله المذكور وهو حلال أي دون أن يكون محرما أي ودون أن يرتدي لباس الإحرام خلافا لمذهب الجمهور الذين أفتوا أن لا سعي للحلال، ولا سعي إلّا بإحرام من حج أو عمرة.

<<  <   >  >>