للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهم المُخْلَصِينْ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صَعِدَ الصفا، فهتف: "يا صباحاه" (١) فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً قال: فإني نذير لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ.

قال أبو لهب (٢):

تباً لك ما جمعتنا إلّا لهذا، ثم قام، فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ


(١) أي هجموا عليكم صباحاً. ويجوز (واصباحاه) وهذا من باب الندبة، ويأتي في أبحاث النداء، وهو في الندبة نداء المتفجَّعِ عليه، أو المتوجع منه، فكأن نبيَّنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - يتفجّع على قومه المشركين في مكة، ويتوجّع على مستنقع العقائد الفاسدة الذي نزلوا إليه وغرقوا فيه.
(٢) أبو لهب هو خصم عنيد وألدّ أشِرُ من أبرز أعداء هذه الأمة الشرسين وواحدّ من أسوأ المعاندين المستكبرين وهو الذي وقف في وجه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ اللحظات الأولى للجهر بالدعوة الإسلامية وقد ظل هذا ديدنه حتى مات بعد غزوة بدر هَمّاً وغَمّاً بسبب هزيمة الشرك أمام المد الإسلامي ودعوته التوحيدية! .
أبو لهب لم يترك سبيلاً يسلكه لإيذاء المسلمين إلّا وكان له فيه نصيب حتى إنه كان الشخص الوحيد الذي لم يدخل شعب أبي طالب الذي حوصر فيه بنو هاشم مع أنه واحد منهم! بل شارك في حصار قبيلته مع سائر أبناء مكة الذين أجمعوا على منابذة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنابذة من معه من المسلمين ومن يحميه من بني هاشم وبني المطلب ولو لم يكونوا مسلمين أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يدعوا سبباً من أسباب الرزق تصل إليهم ـ مدة ثلاث سنين ـ أو يسلّموا لهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه، لذلك لا غرو أن نجد أبا لهب الكافر الأوحد الذي أثبت اسمه في القرآن الكريم مقترناً بالهلاك والخسران وصَلْي النار التي صرحت الآيات بأنه سيدخلها وبأنه من أهلها دون أن يشفع له نسبه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو ابن أخيه عبد الله لكن نسب العقيدة أوثق من نسب الدم وهو الأصل في ميزان الأخوة الإسلامية لذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام آخى أولاً بين المهاجرين بعضهم مع بعض في مكة ثم بين المهاجرين والأنصار في المدينة وهي الأخوة التي لم تكن مجرد شعار يجري على الألسنة وإنما كانت مسؤولية حقيقية تشيع فيما بين أُخوة العقيدة والدين حتى إن القرآن الكريم جعل الميراث منوطاً بهذا التآخي دون حقوق القرابة والرحم. إنها الأخوة التي قامت بين سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وجعفر بن أبي طالب المكي ومعاذ بن جبل المدني حيث آخى بينهم سول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وكذا سار الحال بين سائر الأصحاب وهو التآخي الذي أُقصى عنه أبو لهب بعد أن كفر فيه ونابذه العداء وقطع كل سبيل للحوار معه أو إطلاق الحرية له. اُنظر فقه السيرة لأستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (الحصار الإقتصادي) ص ١٣٠ ـ وما بعدها ثم أسس المجتمع الجديد الأساس الثاني ص ٢١٧ ـ وما بعدها.
لقد ذكرت لك ما سبق متوسعاً في شأن أبي لهب؛ لأنني وجدت جماعات متطرفة من المسلمين ترتدي مسوح الإسلام وهي تعبث بثوابته، مُتسللة من أبوابه الخلفية، مستندة إلى الشقوق المرتسمة في جدار الفهم الإسلامي المتصدع لدى تلك الشرائح حيث تظهر العبثية في استغلال الجهل، وتوظيف العاطفة الجياشة لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =

<<  <   >  >>