فهذه أربعة مشاهد يرسم مسارها وأحداثها الخط البياني للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه:
المشهد الأول: هتاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار وقد قال بيديه إحداهما على الأخرى "حتى توافوني على الصفا".
المشهد الثاني: انتقال هذا القول من دائرة التجريد إلى حيز التجسيد حيث صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا، ثم وافاه الأنصار فأطافوا بالصفا، ثم كان ما كان
بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين الأنصار حيث انتهى إليهم - صلى الله عليه وسلم - بالقول:"المحيا محياكم والممات مماتكم".
وكذا ما كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي سفيان والذي انتهى بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ... " في صورة تعكس أخلاق النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه في كتم الغيظ والعفو عن المعتدين ولو طردوه وحاربوه وطلبوا رأسه الشريف مراراً حياً أو ميتاً فهل عرفت البشرية فاتحاً أرحم من محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ .
المشهد الثالث: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد بن الوليد ومن معه من الذين أخذوا بطن الوادي أسفل مكة (١): "موعدكم الصفا" في حين سلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أفراد كتيبته طريقاً آخر من أعلى مكة وضرب للفريقين موعداً داخل مكة على الصفا وهي الجملة النبوية التي أطلقت على أبواب مكة قبل دخولها.
المشهد الرابع: هيئة العبودية والتواضع والدعاء بين يدي الله تعالى التي مارسها رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على مرأى ومسمع من أصحابه الكرام على جبل الصفا شكراً لربه وتعليماً لأمته بدليل أنه لم يكن يؤدي سعياً لنُسك بل لم يكن يؤدي سعياً أصلاً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم -
(١) أي بما يعرف اليوم بشارع خالد بن الوليد والذي ينتهي إلى باب الشبيكة ..