بعد أن تبين أنه ما يزال في نفوس بعض الصحابة كراهية أداء العمرة في هذه الأشهر على خلفية قناعات مضت عليها سنون وسنون، وتعاقب عليها أجيال وأجيال، فما كان من أمير هذه القافلة الكريمة إلّا أن توجه إلى أصحابه بعد دنوهم من مكة في مكان معروف يقال له سَرِف بمناداتهم:"ومن كان معه هدي فليهلل بالحج مع عمرته ثم لا يحلُّ حتى يحلَّ منهما جميعاً"(١).
هذا ما دعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بتخيير دون عزيمة، ثم انتظرهم حتى دخلوا مكة وطافوا حول بيتها الحرام ثم سعوا جميعاً بين الصفا والمروة حتى انتهى بهم المطاف إلى جبل المروة، ولم يبق أمام من أحرم بعمرة إلّا التحلل بركن الحلق أو التقصير وحينئذ خاطب جماهير الصحابة بعزم أوحاه الله إليه لا تردد فيه ولا إهمال وفيه قال:
"لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة":
إنه التلطف والتحبب الذي كان يسوس به رسول الله به أصحابه لذلك أدخل على مسمع من أصحابه العمرة على الحج فصار به قارناً وبهذا أتى بالعمرة في أشهر الحج، ثم علل لهم أنه لو لم يسق الهدي لفسخ حجه إلى عمرة على النحو الذي أتى على ذكره جابر في حديثه. كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الكرام أنه لو استقبل من أمره ما استدبر لما ساق الهدي ولجعل حجه عمرة تأكيداً منه على جوازها في هذا الوقت بالذات من السنة الهجرية، وتصميماً على اقتلاع عادة جاهلية لا تمت إلى شرع الله بصلة وهو الذي قدّم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شتى الوسائل وبألوان البيان والتربية، وهو ما جعل عبارته المباركة تقطر