للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حباً ومواساة لجيل ما زال الكثير من شرائحه حديثي عهد بالإسلام، وما زالت فريضة الركن الخامس غريبة عنهم مقارنة بما ألفوه من موروثات الجاهلية فيما اعتقدوه أنه ملة إبراهيم وحجه، وهو ما تحكيه لنا الرواية الأخرى التي يسردها على مسامعنا جابر بن عبد الله بقوله: "فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فينا فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله، وأصدقكم وأبرّكم، ولولا هديي لحللت كما تَحِلّون .... " (١).

ولم لا يواجههم - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة وهي من جوهر الحج ونسيجه، وعائشة تروي دخوله - صلى الله عليه وسلم - عليها لأَربع أو خمسٍ مضين من ذي الحجة وهو غضبان فتقول: "من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار. قال: "أو ما شعرْتِ أنيّ أمرتُ الناس بأمر فإذا هم يترددون، ولو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما سُقتُ الهَدْيَ معي حتى أشتريَهُ ثم أحلّ كما حَلُّوْا" (٢).

بعد هذه المراحل المتلاحقة المتماسكة تثمر تربية سيد الناس في قيادته لأعظم فوج حج في العالمين، وتؤتي أكلها لتزكية نفوس طالما تشبعت في أيام جاهليتها بالتبعية المطلقة لخط الآباء والأجداد دون دراية أو تمحيص في جو من الجفاف والقسوة أثّر بعمق في شخصية المسلمين في جزيرة العرب إلّا أن الإسلام أخرج من هؤلاء نشئاً آخر حوّل خُطى التقليد بغير هدى إلى خطى اتباع للعلم وإلى انفتاح ببصيرة تعمل معها عين العقل والقلب والرأس مجتمعات لذلك ما كان لهذه الانعطافة الحاسمة في حياة الصحابة أن تفلح لولا الإيمان الراسخ بالله، واليقين الصادق بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحب الذي ملأ قلوبهم لنبيهم محمد عليه الصلاة والسلام الذي جعل منهم أخيراً قادة الدنيا وسادتها


(١) صحيح مسلم برقم (١٢١٦/ ١٤١).
(٢) صحيح مسلم برقم (١٢١١/ ١٣٠).

<<  <   >  >>