للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحملة لواء الرحمة للعالمين وهم الذين كانوا من قبل يئدون بناتهم بأيديهم وهنّ على قيد الحياة!

نعم لولا الإسلام العظيم بمنهاجه القويم، ولولا المربي الأحكم، والنبي الأعظم الذي يتراجع علماء التربية والنفس متواضعين بين يدي جلال منهجه ومقصده ونتائجه لما استئصلت عادة مستحكمة في تلك النفوس القاسية.

أجل لقد كان عملاً عظيماً كُلِّلَ بالنجاح. كيف لا، وجابر يصوّر لنا مايجلي للناس طبيعة الموقف ذاك بقوله: "فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فما ندري: أشيء بلغه من السماء أم شيء بلغه من قبل الناس؟ فقال: أيها الناس أَحِلّوا فلولا الهديُ الذي معي فَعَلْتُ كما فَعلتُمْ" (١).

هذا التدرج في علاج المعضلة المستحكمة ختمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما مر - بما عزم به (٢) على أصحابه في صبح رابعة من ذي الحجة أن يتحللوا ويصيبوا النساء فامتثلوا لندائه وبذلك أثمرت حكمته التربوية - صلى الله عليه وسلم - إذْعَاناً تاماً يستند إلى الإيمان والحب والحوار والخبرة في مخاطبة النفوس وترويضها مهما بلغ تمسكها برأيها، ولا أدل على هذا من الذي جاء في الرواية الأخرى التي يرويها لنا مسلم عن جابر قال: "فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال" (٣). وكذا قوله: "فقلنا لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة خمس أمرنا أن نُفضي إلى


(١) صحيح مسلم برقم (١٢١٦/ ١٤٢).
(٢) صحيح مسلم برقم (١٢١٦/ ١٤١): قال: "حِلُّوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم". قال النووي: معناه لم يعزم عليهم في وطء النساء بل أباحه ولم يوجبْه أما الإحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدي ٨/ ٣٢٤.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٢١٦/ ١٤٢).

<<  <   >  >>