وقع تحت يدي من نصوص الفقهاء أن العمرة لا تفسخ إلى الحج؛ لأنه لم يَرِد في ذلك شيء، ولأن السيدة عائشة عندما أتتها الحيضة وأدركت أنها لن تتحلل منها قبل يوم عرفة لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تفسخ عمرتها إلى حج، وإنما وجهها إلى أن تدخل الحج على العمرة فتصير بذلك قارنة؛ ولأننا - كما مر من كلام عائشة وغيرها - لا نخرج من العمرة إلّا بالتحلل منها حلقاً أو تقصيراً بعد إتمام سائر الأركان، هذا والله تعالى أعلم.
ثانياً: قول جابر في الفقرة السابقة:
"فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرتُ لم أسق الهدْيَ وجعلْتُها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْيٌ فليحل وليجعلها عمرة":
عبارة خاطب بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، أمر من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ إهلاله بالحج إلى عمرة رجاء تأصيل حكم جديد في مستودع عقولهم وعاطفتهم وثقافتهم (١) وهي العلة التي لم تعد قائمة في الأجيال التي تلتهم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة مماجعل الخلاف الفقهي يسري إلى هذه الجزئية حيث فهم من هذا جمهور العلماء من الشافعية والحنفية والمالكية الخصوصية بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتفع مما بينهم حاجز التهيب لفعل العمرة في أشهر الحج بعد أن فسخوا حجهم إلى عمرة فاقتدى بهم من بعدهم في إباحة العمرة في أشهر الحج.
الأدلة على هذا كثيرة منها ما ورد عن كثير من الصحابة أن الفسخ كان خاصاً
(١) من المعروف أن قريشاً كانت تخشى أن يقتصر وفود الناس على مكة على أشهر الحج فتقع في حضيض الفقر والفاقة وهي التي تقوم حياتها على مواسم الوفود القادمين إلى بيت الله لذلك أشاعت تحريم العمرة في أشهر الحج حتى تستجرهم إلى مكة على مدار العام ومع الأيام غدت تلك الشائعة لب عقيدتهم في تحريم ما أحل الله حتى أخرجهم من ظلماتها نورُ الإسلام على يد الهادي محمد - صلى الله عليه وسلم -.