للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الذي ينظر لما ساقه لنا الإمام مسلم في صحيحه في إهلال السيدة عائشة - زادها الله تشريفاً وتكريماً- يقف لأول وهلة موقف المتحير التائه إلّا أن حيرته لن تطول كثيراً فيما لو بذل شيئاً من العناء في فحص ما دوّنه الفقهاء الكبار في هذه المسألة حتى جعلونا - بفضل الله - نصل إلى شاطئ الأمان في تحقيق علمي مفيد يوفق بين الروايات دون أن يقصي منها شيئاً ليكون هو الأنموذج الثالث في بيان وجوه الإحرام في رصد الصحب الكرام في صدر هذا التمحيص، وبهذا أسرد بين يدي القارئ الكريم معظم الروايات التي أتى مسلم على ذكرها ضمن دراسة التوفيق فيما بينها على نحو يستقيم به أمرها جميعاً بعد الاستعانة بفضل الله وتوفيقه (١):

الرواية الأولى: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يَحِلّ حتى يَحِلّ منهما جميعاً. قالت: فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة (٢)، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: انقُضِيْ رأسك وامتشطي (٣)،

وأهِلّي بالحج، ودَعِيْ العمرة. قالت: ففعلتُ، فلما قضينا الحج أرسلني رسول


(١) استعراض روايات مسلم أرجو منه أكثر من هدف بسهم واحد:
فهو أولا نور نبوي أقدمه للقراء الأعزاء من خلال روايات يُغَذّون بها أفكارهم ومحفوظاتهم وقلوبهم وعيونهم.
وهو ثانياً تعريف بهذه الفريضة من مصادرها التي منها استنبطت أحكامها في حين أن جِلّ ما يكتب اليوم عن أحكام الحج تُرسم صورته بأحكام مجردة غالباً عن مصادرها وجذورها وينابيعها التي تمدها بعين الحياة.
وهو ثالثاً إطلالة على العديد من المسائل الهامة في فقه الحج واللغة من خلال نقول موثقة عن جهابذة العلماء.
(٢) السيدة عائشة رضي الله عنها لم تطف بالبيت يوم وصل المسلمون مكة؛ لأن الحيضة عاجلتها على تخوم الأرض الحرام.
(٣) قال الإمام النووي: "وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "انقضي رأسك وامتشطي" فلا يلزم منه إبطال العمرة؛ لأن نقض الرأس والامتشاط جائزان عندنا في الإحرام بحيث لا يَنْتف شعراً، ولكن يكره الامتشاط إلّا لعذر. وتأوّل العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان في رأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عُجْرة الحلق =

<<  <   >  >>