هذه الأمه ونقيض ما وثقه الفقهاء حيث ترى قوافل الناس تمضي عصر اليوم الثامن من ذي الحجة وليلة التاسع منه حثيثاً نحو أرض عرفات لاستلام الخيام المعدة لها هناك، ونقطة انطلاقها هي مكة وليس منى وهذا الخطأ أشار إليه وحذر منه إمامنا النووي الذي قال:"وأما ما يفعله الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات في اليوم الثامن فخطأ مخالف للسنة وتفوتهم بسببه سنن كثيرة منها الصلاة بمنى والمبيت بها والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها والخطبة والصلاة قبل دخول عرفات وغير ذلك"(١).
إن ترك جزئيات من السنة المطهرة هو تقصير بحد ذاته يدفع الغيورين الصادقين إلى أن يعتصرهم الأسى بسبب الإعراض عنه لكنه تقصير ربما يعذر المسلم فيه تحت سقف هذه الخصوصية التي عرف بها الحج في عصرنا حيث سهلت وسائل الاتصال والمواصلات وصول الناس إلى أرض الحرمين الشريفين براً وبحراً وجواً فتسببت بازدحام شديد لا عهد لهذه الفريضة به وهو ما جعل حركة سير الحجاج معقدة وقاسية تفوق ألم ركوب الجمال في الصحراء قياساً لما يتمتع به أبناء هذا الزمان من رفاهية عالية وتحملٍ هش.
ثم إذا كان عبء الازدحام محتملاً عند شرائح من الحجاج فإن ما لا يكاد يحتمل هو أن تفوت الفريضة برمتها بسبب إغلاق الطرق طبيعياً أو بقرارت ارتجالية تهدف إلى تخفيف الضغط عن خط السير هذا أو ذاك، وهو ما أستطيع توثيقه بأحداث وصل أبطالها إلى تخوم عرفات حينما غادروا صباح اليوم التاسع فلم يتح لهم الوصول الموفق إلى ما خصص لهم من خيام وهو ما جعلهم يضطرون للوقوف في العراء تحت أشعة