للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سيأتي من كلام جابر، ثم يتوجهون جميعاً إلى عرفات حيث الموقف العظيم وهو ـ كما تعلم ـ خارج حدود الحرم المكي على تخومه من أرض الحل لذلك لم تكن قريش تقف فيه وإنما تنتهي بها الإفاضة في مزدلفة عند مشعرها الحرام وهو جبل فيها يقال له قزح (١)! يُعلّل القرشيون ذلك بقولهم: "نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه (٢)! ويقولون أيضا: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم (٣)! وكان يُدعى هؤلاء الحمس (٤) وعلى هذا فمحمد - صلى الله عليه وسلم - منهم؛ لأنه من قريش (٥)،

لذلك لما سار - صلى الله عليه وسلم - لم تكن قريش تشك في متابعتهاعلى عادتها؛ وأنه واقف معها عند المشعر الحرام كما كانت تصنع في جاهليتها، لكنه - صلى الله عليه وسلم - جدّ السير إلى أرض الموقف في عرفة مخالفاً ما عليه قومه من التمييز العنصري الذي يمقته الإسلام، ودعوى الخصائص المزعومة التي تقوم على خلفية الابتداع والمقاييس الاجتماعية المبتذلة، وتبتعد عن جوهر الاتباع وإخلاص العمل لله تعالى لذلك انتهى به - صلى الله عليه وسلم - الوقوف إلى أرض عرفة من حيث أفاض الناس وليس من حيث أفاض قومه إلى جمع، استجابة منه للنداء العلوي الخالد الذي ينأى بهذه الفريضة عن الأغراض الدونية ويرتقي بها إلى قمة العلياء في الهدف والأداء وذلك هو قوله تعالى في محكم التنزيل {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}


(١) وقيل: إن المشعر الحرام هو كل المزدلفة. اُنظر شرح النووي على صحيح مسلم ج ٨ ص ٣٣٨.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي برقم (٩٥٣٦).
(٣) السنن الكبرى للبيهقي برقم (٩٥٣٤).
(٤) أورد البخاري في صحيحه حديثاً في هذا الموضوع في باب الوقوف بعرفة عن عروة بن الزبير قال: كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحُمْسَ، والحُمْسُ قريش وما وَلَدَتْ، وكانت الحُمْسُ يحتسبون على الناس (أي يعطونهم حسبة دون مقابل) ... يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها، فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عرياناً وكان يفيض جماعة الناس من عرفات ويفيض الحمس من جمع (أي مزدلفة) وأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها: أن هذه الآية نزلت في الحمس {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] قال: كانوا يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات. صحيح البخاري برقم (١٦٦٥).
(٥) روى البخاري في صحيحه برقم (١٥٨١) عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أضْلَلْتُ بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - واقفاً بعرفة فقلت: هذا والله من الحمس فما شأنه هاهنا" ..

<<  <   >  >>