للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي صحيح مسلم بن الحجاج عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بوادي الأزرق فقال: أيُّ وادٍ هذا؟ فقالوا: هذا وادي الأزرق. قال: كأني اُنظر إلى موسى - عليه السلام - هابطاً من الثنية هذه وله جؤار إلى الله بالتلبية (١).

ثم أتى على ثنية هَرْشى (٢) فقال: أيُّ ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هَرْشى. قال: كأني اُنظر إلى يونس بن متى - عليه السلام - على ناقة حمراء جَعْدَةٍ عليه جُبّةٌ من صوفٍ، خِطام ناقته خُلبَهٌ وهو يلبي. قال: ابن حنبل في حديثه: قال هشيم: يعني ليْفا (٣) " (٤).

وروى مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يحدث


(١) قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٧١: "قال القاضي عياض رحمه الله: أكثر الروايات في وصفهم تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى ذلك ليلة أسري به وقد وقع ذلك مبيناً في رواية أبي العالية عن ابن عباس وفي رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وليس فيها ذكر التلبية. قال: فإن قيل: كيف يحجون ويلبون وهم أموات وهم في الدار الآخرة وليست دار عمل؟ فاعلم أن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة أحدها أنهم كالشهداء بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا كما ورد في الحديث الآخر وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا؛ لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل. الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء قال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: ١٠] الوجه الثالث: "أن تكون هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء أو في بعض ليلة الإسراء كما قال في رواية ابن عمر رضي الله عنهما: بينا أنا نائم رأيتني أطوف الكعبة" وذكر الحديث في قصة عيسى عليه الصلاة والسلام. الوجه الرابع أنه - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ أحوالهم التي كانت في حياتهم ومُثّلوا له في حال حياتهم كيف كانوا وكيف حجهم وتلبيتهم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: كأني اُنظر إلى موسى وكأني اُنظر إلى عيسى وكأني اُنظر إلى يونس عليهم برقم .. الوجه الخامس: أخبر عما أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم رؤية عين هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله والله أعلم". ثم قال النووي: "وله جؤار وله رفع الصوت".
(٢) قال الإمام النووي في ثنية هَرْشى: وهو جبل على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة. اُنظر نفس المرجع والجزء والصفحة.
(٣) قال الإمام النووي: أما الجَعْدَةُ فهي مكتنزة اللحم كما تقدم قريباً وأما الخِطام بكسر الخاء فهو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه وقد تقدم بيانه واضحاً في أول كتاب الإيمان. اُنظر نفس المرجع والجزء ص ٣٧٢ أما الخُلْبة فقد فسرها ابن حنبل في نص الحديث بالليف أي الخطام الذي تربط به الناقة وتشد هو الليف.
(٤) صحيح مسلم برقم (١٦٦/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>