عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفسي بيده لَيُهِلَنّ ابن مريم بفجّ الروحاء حاجاً أو معتمراً أو لَيَثْنينّهما"(١).
فالحج من خلال السيرة النبوية يحمل بصمة التاريخ الطاهر الذي يفوح منه عبق الصالحين والذي يرسم همزة الوصل بين حاضر أجيال هذه الأمة وماضي الرجال الأبرار من أسرة الرسل والأنبياءمن أمثال الخليل والكليم والعبد الكريم الكائن من نفخة الله القادر الحكيم.
والحج من خلال المشهد السابق بخطوطه وتقاطعاته هو صيحة في شباب الإسلام وحملة راية القرآن وأمل المستقبل تنادي فيهم مراكز الخشية من الله ومواضع الغيرة على دينه تهيب بهم أن لا يتنازلوا عن ثوابت الأمة التي لم تكن يوماً في منهج السماء وأصحاب المبادئ مجالاً للمساومة أو المقايضة تحت أي مبرر أو مسمى.
إنها تقدم لهم مثالاً ينبض بالحياة في ترجمة تجديد الخطاب الديني من أداءِ وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أحيا بعد قرابة ألفي عام من بعثة أبيه إبراهيم سنة خليل الرحمن في الحج إلى بيت الله الحرام عقيدة وممارسة؛ لأنه موقن أنها سنة السماء بين الأحياء فلم يمسّ خطاباً ثابتاً ولم يؤوّل تأويلاً فاسداً، ولم يقدّم رؤى شخصية على طريقة الرؤى الاستشراقية التي يؤتى بها جاهزة كوجبة (الهمبرغر) الجاهزة بقالب إسلاميٍّ، التكلفُ فيه والتصنع واضح المعالم! حاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي قال الله فيه وهو النبي القريب والشفيع الحبيب {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ
(١) قال الإمام النووي قوله - صلى الله عليه وسلم - ليثنينهما هو بفتح الياء في أوله معناه يقرن بينهما وهذا يكون بعد نزول عيسى عليه برقم من السماء في آخر الزمان وأما فجّ الروحاء فبفتح الفاء وتشديد الجيم. قال الحافظ أبو بكر الحارثي: هو بين مكة والمدينة قال: وكان طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وعام حجة الوداع. اُنظر "شرح النووي" على صحيح مسلم ج ٨ ـ ص ٣٨٠.