إنها اللوحة التي تحشد في الدعاة روح الأمانة للشريعة والعقيدة وثقافةِ الفضيلة وليس الوصاية على النصوص والإجماع؛ لأنه حينئذ من قبيل التلاعب من أدعياء الدعاة باسم الدين وباسم التجديد الذي لم يدركوه وباسم الجديد الذي ظنوا أنهم لبسوه والحقيقة أنه شباك آخرق ألبسوه.
اُنظروا أيها المسلمون إلى نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - كيف لم يمالئ قومه وعشيرته الأقربين وهو منهم فإذا به يخالف موقفهم في مزدلفة ويجاوزهم إلى موقف الناس في عرفة؛ لأنه موقف الحق الذي نزل به الروح الأمين، ومارسه إبراهيم قبل مئات السنين.
لقد علمهم بهذا أن الاقتداء يأتي من وحي السماء التزاماً واتباعاً وليس لحسابات وأطماع وأرقام.
وكما لم يمالئ قبيلته وأبناء عمومته كذلك لم يمالئ أبناء قوميته من العرب فأفاض من عرفات بعد مغيب شمس اليوم التاسع وكان المشركون يفيضون من عرفة قبل مغيب الشمس، كما كانوا لا يفيضون من مزدلفة حتى تطلع الشمس! ويقولون:"أشْرِقْ ثبير كيما نغير"! فخالفهم - صلى الله عليه وسلم - وأفاض قبل طلوع الشمس (١). وأنت تذكر كيف غيّر رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عادة الجاهليين في العمرة حيث كانوا يرونها في أشهر الحج من أفجر الفجور! .
(١) سنن ابن ماجة برقم (٣٠٢٢) واللفظ له، كما رواه البخاري برقم (١٦٨٤) وثبير مر ذكره وهو أعظم جبال مكة وبوسعك اليوم أن تراه بوضوح وأنت تتخذ طريق غزة قرب الحرم المكي من جهة المروة، متجهاً إلى المعابدة، فإذا ما وصلت إلى الإمارة التي يليها على اليسار فندق السماح، نظرت أمامك، وعن يسارك فشاهدت الجبل المذكور بجلاء و" كيما نغير" أي لنسرع العَدْوَ والمعنى لتطلع عليك الشمس يا ثبير كيما نسرع في العَدْوِ لأجل النحر في منى.