كما لا أظنك تنسى ما فرضه - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه من وجوب السعي بين الصفا والمروة مخالفاً المشركين الذين كانوا يتنسكون لأصنامهم سعياً بين صنمي إساف ونائلة على شاطئ البحر الأحمر ويضمون إلى ذلك شعيرتي الصفا والمروة!
ومن تمام ذلك في منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إظهاره لشعائر الإسلام ومبادئ التوحيد في المواضع التي كان يعلن فيها الكفر وشعاره بناؤه - صلى الله عليه وسلم - لمسجد الطائف في الموضع الذي كان يقام فيه نصب اللات والعزى.
كما تجلى ذلك في وأده لعادة قريش من أعمال جاهليتها حين كانت تمنع في الإحرام من يَقْدُم عليها ممن ليس قرشياً أن يطوف بالبيت إلّا بثياب أبناء قريش يقدمها له أحدهم أو يطوف حول البيت عرياناً! فصارحهم - صلى الله عليه وسلم - بما لا يقع فيه النقاش والجدال:"أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان".
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمالئ اليهود الذين يدّعون زوراً وبهتاناً جهاراً ليلاً نهاراً أن دين موسى مغاير لدين محمد - صلى الله عليه وسلم - لذلك وجدناه يستقبل قبلة بيت المقدس تأليفاً لقلوبهم ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، فلما سخروا منه وهو الذي كان يقصد لفت انتباههم إلى حقيقة أعمتها عصبيتهم المقيتة! وهي أن الدين واحد وأن الدين عند الله له مضمون ثابت لم يتغير في رسالة سماوية صحيحة أيّاً كان اسم الرسول آدم أو نوح أو إبراهيم أو إسماعيل أو إسحاق أو موسى أو عيسى أو محمد أو غيرهم عليهم منا أعطر الصلوات والتسليمات، وأن الدين عند الله له مسمى واحد لا ثاني له هو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]. فلما سخروا منه ويئس من إيمانهم توجه إلى الكعبة المشرفة وخالفهم.
لقد كررت هذا آيات الكتاب الحكيم بأساليب متنوعة، وترجمته السنة المطهرة بشتى الوسائل، وما ذاك إلّا لأن ما سبق يدخل في عداد البدهيات والمسلمات العقلية فإذا كان