للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكاد يصيب الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه إذا ملّ الركوب، وأدّى إلى تباطئ حركتها ودفعها للسير بسكينة وهدوء دون جلبة كل ذلك صورة تحكي ما أقول ترفدها النصيحة التي أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها أصحابه وهم ينفرون من عرفات يشير بيده اليمنى ويقول: "أيها النَّاس السكينةَ السكينةَ"، وكأنه بهذا الوقار العظيم يشكر ربه أن أذن لرواد موقف عرفات بالدخول إلى حرمه الآمن من بوابة القبول والأنبياء بوابة المشعر الحرام.

ولم لا يقصد الحجاج مزدلفة على هذه الهيئة وهي التي سميت باسمها أخذاً من الزلفةِ بمعنى القربةِ وهو التقرب؛ لأن الحجاج يتقربون فيها إلى الله تعالى بالدعاء (١)

على غرار دعاء عرفات لكن تضرّعهم في صعيد عرفة نهاراً أما تضرعهم في صعيد مزدلفة فيقع ليلاً، فكأنهما موقفان يتقاسمان بركة الليل والنهار كل له من ذلك نصيب، يدل على هذا ما رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة: إن الله يَطَوَّل عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلّا التبعات فيما بينكم، ووهب ميتكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله، فلما كان بجمع قال: إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع صالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم، ثم تفرق المغفرة في الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليسُ وجنوده على جبل عرفات


(١) قال الإمام ابن حجر العسقلاني: "وقيل: وصفت بفعل أهلها؛ لأنهم يجتمعون ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إ ليه بالوقوف فيها". اُنظر فتح الباري ج ٨ ص ٦٦١.

أو هي من التزلف والازدلاف وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات منه، وتسمى جمعاً بفتح الجيم وإسكان الميم سميت بذلك لاجتماع الناس فيها أو لجمع صلاتي المغرب والعشاء فوق جنبات أرضها. اُنظر الحج والعمرة للدكتور عتر نفس الصفحة وصحيح مسلم بشرح النووي نفس الجزء والصفحة.

<<  <   >  >>