لهذا ينبغي على الحاج إذا كان حريصاً على أداء مناسكه على أتم وجهٍ موافقٍ للسنة أن ينتبه في موقفه الجديد وهو مقبل من عرفات صوب مزدلفة فيراعي هذه الحدود والتي تعرف اليوم بشاخصات كبيرة عن يمين وشمال الطريق كتب عليها أولاً: نهاية عرفات ثم بعد مسافة قصيرة تظهر شاخصة أخرى كتب عليها بداية مزدلفة.
ومما يؤسف له ما شاهدته مراراً من آلاف الحجاج الذين يبيتون في المنطقة الفاصلة بين عرفات ومزدلفة التي لا تنتمي إلى هذا الموقف ولا إلى ذاك، ويجلسون هناك، ويظنون أنهم على شيء، ومما يزيد الطين بِلّهَ ما عاينته بنفسي من تقصير متعمد من رجال يسمون أنفسهم شيوخاً يشيرون إلى سائقي حافلاتهم للتوقف هناك في المكان الذي لا يتحقق فيه المبيت لصلاة المغرب والعشاء قبل أمتار من الشاخصة المكتوب عليها: بداية مزدلفة وهم يعلمون! ولكنهم مستهترون يغريهم بذلك أنهم وجدوا موقفاً لا ازدحام فيه على مقربة من ماء الشرب والوضوء يليق بمقامهم الكريم وذواتهم التي ملئت غروراً.
وكما يقع بعض حجاج بيت الله الحرام ضحية الجهل والاستهتار في وجه الطريق إلى مزدلفة كذلك يقع آخرون في شباكهما في أقصى مزدلفة بالنسبة لمن يجدّ السير بعد بلوغه أرض الموقف الجديد سعياً منه للوقوف في مقدمة قافلة الحجيج فيخلّف وراءه كل ما سبقه من ضيوف الرحمن ولا يرنو بصره إلّا إلى شيء واحد هو أن يصل إلى رأس الركب عند آخر المزدلفة وهو رأي صائب لمن كان فقيهاً ورعاً أما إن كان يجهل أن الموقف له حدود لا يصح تجاوزها فما يلبث أن يجد نفسه خارج أرض مزدلفة خلف الشاخصة المكتوب عليها نهاية مزدلفة وقبل انتصاف ليلة النحر فإذا به ينفر من حيث حط رحاله هناك صوب منى دون أن يحقق المبيت في مزدلفة في الزمن المجزئ على نحو ما سأبينه لك من أقوال العلماء بعون الله تعالى.