للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدل قوله على الذي ذهب إليه فقهاء الشافعية.

ويجزيه كذلك أن يحمل حصى الجمار من أي مكان من عرفات أو مزدلفة أو منى أو من المرمى ولو من موضع نجس إلّا أن السنة في حصى جمرة العقبة أن تكون من مزدلفة (١)، وهو ما علل به نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر كان يأخذ الحصى من جمع كراهية أن ينزل (٢)

أي لئلا ينزل من راحلته عند بلوغه جمرة العقبة، وهو ما أخذ منه الشافعية سنة أن يرمي الجمرة يوم النحر راكباً إن كان قد أتى راكباً؛ لأنه صح أنه - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة راكباً (٣).


(١) على الحاج أن يأخذ سبع حصيات من مزدلفة، وأن يحتاط في الأمر، فلربما وقع منه شيء، أما سائر حصى الجمار فبعض الشافعية قال: تؤخذ من مزدلفة وهي ثلاث وستون حصاة، وبعضهم قال: لا تؤخذ منها، وكلاهما منقول عن الشافعي، والمعتمد أنها لا تؤخذ منها لعدم ثبوت ذلك إذ لم ترد سنة في تعيين المحل الذي يؤخذ منه حصى رمي أيام الشريق. أما الذين قالوا: السنة أن تؤخذ من وادي محسّر والآخرون الذين قالوا: السنة أن تؤخذ من منى حيث استدل الفريق الأول بحديث: عليكم بحصى الخَذْف وذلك لما وصل - صلى الله عليه وسلم - محسِّراً واستدل الفريق الثاني بما في مسلم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما وصل لمحسِّر وهو في منى قال: عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة. والدليلان لايصلحان للاستحباب؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم" "هو بمعنى" "الزموا" فيكون أمراً منه - صلى الله عليه وسلم - بحفظ ما أخذوه من مزدلفة بسبب اقتراب موقف رمي جمرة العقبة، كما يمكن أن يحمل على معنى التذكير لمن غفل أن يحمل الحصى من مزدلفة فيكون الاستدلال واقعاً في دائرة الجواز وهذا يضعف قول الحنابلة الذين كرهوا أن يحمل حصى الجمار من سائر الحرم. اُنظر تحقيق العلامة ابن حجر الهيتمي في حاشيته على شرح نور الإيضاح ص ٣٤١ - ٣٤٢. واُنظر الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي فيما نقله عن الحنابلة ج ٣ ص ٢٢٥٩.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي برقم (٩٦٢٨) ..
(٣) اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح نور الإيضاح في مناسك الحج للنووي ص ٣٥٦ ـ أقول: "ويؤيده رواية البيهقي (٩٦٣٨) عن جابر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمار على راحلته. قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. واختار بعضهم أن يمشي إلى الجمار وقد روي عن ابن عمر أنه كان يمشي إلى الجمار، ووجه هذا الحديث عندنا أنه ركب في بعض الأيام ليُقتدَى به في فعله. اُنظر سنن الترمذي وما قاله حول الحديث برقم (٨٩٩). والخلاصة التي ذهب إليها الشافعية جمعاً بين الأحاديث أن يرمي الحاج جمرة العقبة راكباً إن كان قد أتى راكباً وأنه يرمي اليوم الأول والثاني من أيام التشريق ماشياً؛ لأنه مقيم في منى حينئذ أما اليوم الثالث من أيام التشريق فإنه يرمي جمراته راكباً أيضاً؛ لأنه يوم النفرة من منى فسيأتيها راكباً فيرميها ويستمر في ركوبه؛ ولأنه لن يرجع بعد إلى محل إقامته في منى بدليل الحديث الذي صححه الترمذي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهباً وراجعاً وهذا لا ينطبق إلا على اليوم الأول والثاني من أيام التشريق؛ لأنه يذهب - صلى الله عليه وسلم - لرمي الجمار ثم يرجع منها إلى محل إقامته، وهذا يفهم منه ندب المشي في هذين اليومين وكذا يسن الرمي راكباً إن رمى متعجلاً اليوم الثاني من التشريق. اُنظر الحاشية لابن حجر ص ٤١٠ ـ ٤١١ ـ وأياً كان الأمر فالمسألة دائرة بين الندب والجواز، بينما اليوم يتعذر أن يرمي راكباً ولو جاء راكباً إلّا قبل غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق لمن لم يتعجّل.

<<  <   >  >>