إن من خصوصيّته ما يلازمه من غربة الأوطان، وما يصاحبه من ارتحال إلى الواجبات والسنن والأركان، وسائر عبادات الإسلام، حتى إنّ الحجاج ليشعرون منذ بدء الرحلة أنهم في عمل متواصل ساعةً بساعةٍ، لا انقطاع فيه، بينما يشعرون في المدينة المنورة بانتهاء عهد التعب، وابتداء زمن الراحة والاستجمام، وعهد الضيافة الكريمة على مائدة النّبيّ الأكرم.
ومن خصوصيته أنه استجابة لأمر الله الذي أوجب، ولنداء إبراهيم الذي بلَّغ، وهو ما ينال صدى واسعاً في القلوب المؤمنة التي تشعر بمزيد من الفخار فأيُّ فرحةٍ تغمر العبد المؤمن أبلغ من هذه؟
ومن خصوصيته أنه رحلة تواصل مع أمّة عظيمة تشكل رقعتها الجغرافية امتداداً لكل مسلم، لاسيما بالنسبة لمن لم تُتِح لهم ظروف العيش القاسية أن يتخطَّوا سور قريتهم أو مدينتهم فتقدّم لهم فريضة الحج فرصة سانحة ربما لن تتكرر في حياتهم، ولن تمحى من ذاكرتهم، للالتقاء والإطلاع على الثقافات المتنوعة، وعلى سر التنوع في أمة الإسلام العظيمة.
ومن خصوصيته أنه رحلة لتوحيد الله عزَّ وجلَّ، وإفرادِه بالعبادة، في أرض لا يقطنها إلّا الساجدون لله عزَّ وجلَّ.
ومن خصوصيته أنه يفتتح بطواف القدوم، ويختتم بطواف الوداع، وكل منهما تشترط فيه أمور، وتسنُّ فيه أُخرى، تزيد من تلك الخصوصية.
ومن خصوصيته أنّ الحجاج يدخلون مكة بعد طواف القدوم مرَّة أخرى؛ حيث يقفون خارجها على صعيد عرفات، فيسألون الله، ويُلحون عليه في الدعاء، ويناجونه ويبكون بين يديه حتى تبتلَّ منهم اللّحى، حتى إذا ما أُذن لهم اندفعوا نحو الأرض