للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقدسة من بوابة مزدلفة ملبّين، ذاكرين الله عند المشعر الحرام الذي يبيتون عنده وما يحيط به، فإذا ما أُذن لهم من جديد تقدّموا خطوة أخرى صوب البيت الحرام بوصول منى، ورميّ جمرة العقبة الواقعة في رأس الطريق هناك باتجاه غايتهم، ومع الفراغ من هذا النُسك العظيم الذي يتقرب به الحجاج إلى الله، فإنهم يَجدُّوْن السير ـ سواء من تحلل بالحلق أو من لم يتحلل ـ على الطريق الذي سلكه محمد - صلى الله عليه وسلم - نحو المعبد الإسلامي الذي شيده إبراهيم عليه السلام لتوحيد الله وحده، وتلبيته، وسؤاله من جوامع الخير، وإنزال الأثقال من فوق كاهل العباد عنده؛ لذلك فإنّ الأبواب ما تلبث أن تفتح لهم إيذاناً بالدخول لطواف الزيارة، والسعي عقبه. ومع الفراغ من هذا المنسك الركن، يُؤذَنُ للحجيج بأن يعودوا أدراجهم للدخول في سلك الضيافة الإلهية في منى أيام العيد الأكبر، حيث يجلس الجميع على مائدة الرحمن العامرة؛ إذْ تذبح الذبائح وتقام أعراس الطاعة، التي تقدم فيها أطايب اللحوم، والحلوى، وألوان الشراب البارد والساخن، تكرمة من الله لضيوفه - الذين أتموا أركان فريضتهم ولم يبق أمامهم سوى بعض الواجبات - وتداركاً في هذه الأوقات لمن فات في حقه شيء من الأركان كالحلق أو طواف الإفاضة، فيستأذن من مضيفه وهو ربُّ العزة بالتوجه إلى الكعبة المشرفة لساعاتٍ لأداء ما تأخر عنه، ثم يعود تارة أخرى ليأخذ مكانه على تلك المائدة.

وكما ترى فالعيد هناك خصوصية من وراء خصوصية، وموسم خيرٍ تتداخل فيه مواسم من جنسه، لذلك تعد أيام منى مناسبة لإظهار طبيعة الأعياد عند المسلمين، التي لم تكن يوماً إطلاقاً لعنان الأهواء والشهوات، ولا استغراقاً في وحل المعاصي والآثام، ولا استثناءً يبيح ما كان محظوراً على عادة الغربيين في أعيادهم! ، لكنه طاعات

<<  <   >  >>