للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تمتزج فيها الأفراح، وسرور يعكس سعادة العباد بطاعة الله، ومباحات تتعانق بحرارة مع القربات.

الأعياد عندنا مظهرٌ من مظاهر تواصل المسلم مع ربه، وصورة صادقة لمراقبته لشهود الله على عمله، وتأكيدٌ على نفي الغفلة عنه في ذروة النشوة والفرحة، لذلك لا عجب أن تقترن بداياته بالتكبير بالنسبة للحاج ولغير الحاج كلٌ بحسبه، وسواءٌ في مكة أو في امتداداتها على كل بقاع الأرض، والذي يرافقه حتى السُّوَيْعات الأخيرة، كما يسبقه ويتصل به أهمُّ أركان الحج وهو الوقوف بعرفه، ويؤدّى فيه ركنا الحلق والطواف، وواجب المبيت والرمي في ذات الأرض التي تقام عليها أفراح العيد وهي أرض منى.

إنّ وقوع العيد في الأرض التي هي جزء من البلدة الحرام، ويؤدَّى فيها مايرتبط بتحلل الحاج من إحرامه التحلل الأول، كما تؤدَّى الواجبات الشرعية التي إنْ تركت لا سبيل لتكفيرها إلّا بإراقة دماء الكفارات ليتم ذلك في امتزاج كامل بمظاهر الأفراح التي تحيط بها هالة من المعاني الإنسانية كالتزاور والتراحم، وصلة الأرحام، وتفقد الأحباب، وتبادل الدعوات، وتقديم الطعام والشراب للغني والفقير سواء بسواء، لهو مما يضفي أثر الثقافة الإسلامية المستمدة من معين الشَّرع المطهر؛ حيث يدعونا الله في كتابه إلى الذكر في أيام منى المعدودات، أيام العيد: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣].

هذه الدعوة تعضدها أخرى على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الوصف الإسلامي لتلك الأيام بقوله: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عزَّ وجلَّ (١) ".


(١) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (١١٤١/ ١٤٤) وفي رواية عنده: "أيام التشريق" كما رواه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى برقم (٦٣٥٨) و (٦٣٥٧).

<<  <   >  >>