للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالأعياد عند المسلمين تأكيد لوجه الصلة بالله عزَّ وجلَّ، ودعوة لأنْ تكون أفراحنا مهرجانات إسلامية وذات أبعاد إنسانية، لا تدعى لها طبقة متميزة في المجتمع تسمى المخملية، وتستثنى سائر الطبقات.

هذا المعنى هو امتداد لجوهر الركن الخامس الذي يدعو جميع المسلمين القادر منهم، دونما إبطاء أو استثناء لحضور المؤتمر السنوي، والدعوة مفتوحة، وعاجز اليوم قد يغدو قادراً في عام قادم، والباب مشرع على مصراعيه لكل أحد دون النظر إلى طبقته، أو ثقافته أو مهنته، أو إقليمه، وهو ما ندعوه بالموسمية، فالحج هو موسم سنوي بالنسبة لعموم الأُمة، لكنه موسمُ العمر بالنسبة لآحادها؛ لأنه العبادة التي فرضها ربنا سبحانه وتعالى مرّة واحدة في حياة كل مسلم ما لم يأت إلى مكة ناذراً أو على وجه القضاء، لذلك عرَّفه الإمام الغزالي في الإحياء بأنه عبادة العمر حين قال: "فإنَّ الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين (١) ".

فالحج موسم الخير والعطاء الدائم يحتضن بين ذراعيه كل مواسم الخير والعطاء الإسلامية فهل نعجب بعد ذلك ونحن نقرأ كلام ربنا في القرآن الكريم يقسم بالليالي العشر الأوائل من ذي الحجة (٢)، وكلام نبينا الذي لا ينطق عن الهوى وهو ينادي بأيام العشر أفضل الأيام على الإطلاق (٣). لا بل إنّ أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن صدر ذي الحجة


(١) إحياء علوم الدين لحجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي في كتاب أسرار الحج ج ١، صـ ٢٤٠ ـ.
(٢) قال تعالى في صدر سورة الفجر: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢)}.
(٣) قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عزَّ وجلَّ من هذه الأيام" يعني: أيام العشر. قال: "يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجعْ من ذلك بشيء" أخرجه الإمام أحمد في مسنده، واللفظ له برقم (١٩٦٨) وقال محققوا الموسوعة الحديثية على مسند أحمد "إسناده صحيح على شرط الشيخين". اُنظر ج ٣ ص ٤٣٣ كما رواه البخاري برقم (٩٦٩).

<<  <   >  >>