هو المعني به في قوله تعالى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَمَانِينَ لَيْلَةُ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةُ}[الأعراف: ١٤٢] أما الثلاثون فهي شهر ذي العقدة.
وإذا كانت الأشهر الحرم أربعة فإن اثنين منها هي من أشهر الحج (١)، فهل بعد هذا من خصوصية وموسمية.
ومن تجليات الركن الخامس على المسلمين ذلك الرابط الذي عمد إليه الإسلام بين كلّ واجب يؤديه الحاج ومرجعه التاريخي الذي سجّل ميلاد الحادثة إلى حيّز الوجود، وهو ما يؤجج في قلوب الحجاج مشاعر إيمانية فياضة حين يؤدون بمتابعة دقيقة ما سبقهم إليه رجالات عظام أقامهم الله في موقع القدوة بعد أن صبروا في سبيل الله، وسموا فوق كل إغراء، وتفانوا في مرضاة ربهم وحده، فاستحقوا بذلك أن يتحولوا إلى مناراتٍ تضيء للبشرية درب الحياة مهما أحلولك الظلام في طريق الشعوب.
تعيش فيك هذه المعاني وأنت تطوف حول البيت، وذاكرتك يتردّد فيها صدى البيان الإلهي: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)} [البقرة: ١٢٧].
وتتأمل ذلك وأنت تصلي إلى مقام إبراهيم وفي أذنيك خطابُ الله للمكلفين:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة: ١٢٥]، فتؤدي ركعتي الطواف وأنت
(١) قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦]، والأشهر الحرم هي ثلاثة سَرْد، وواحد فرد، أي: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم والآخر هو رجب مضر الذي بين جمادى الآخرة وشعبان، وقد سُمّي كذلك؛ لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مُضر تحرم رجباً نفسه. وكما ترى فإنّ الله نهانا عن الظلم خاصة في أشهر الحج بنص الآية تأكيداً على تلك الخصوصية. اُنظر: "تفسير الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي ج ٨ ص ١٢٣.