للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي الحج إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيتٍ فضّله الله تعالى وشرفه كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً.

ومن العبادات التي لا تفهم معانيها السعي والرمي فَكُلِّفَ العبد بها ليتم انقياده، فإنّ هذا النوع لا حظّ للنفس فيه، ولا أنس للعقل به، فلا يحمل عليه إلّا بمجرد امتثال الأمر وكمال الانقياد فهذه إشارة مختصرة يعرف بها الحكمة في جميع العبادات والله أعلم" (١).

هذا هو اجتهاد إمامنا النووي، وهو ما وافقه عليه ابن حجر في حاشيته مشيراً إلى استدلال بعضهم إلى أنه لو كان القصد بالرمي النكاية لجاز بنحو النشاب، أو الإهانة لجاز بنحو بعر الحيوان، أو الإكرام لجاز بنحو النقد من الذهب والورق، فلم يبق سوى التعبد المحض فلزم تحرير النص فيه على ذلك (٢).

لكن المسألة في تقديري هي أبعد من هذا وإن كان التعبد لله العنوان البارز في هذه الفريضة المتجددة؛ لأن الحج إلى بيت الله الحرام فيه من الدقائق والأسرار ما لا يحيط به كتاب عالم ولا نظر فقيه ولا بحث عارف فهو المدرسة الراسخة والجامعة المتخصصة والحصن التربوي الفريد حيث أرستْ قواعده وقعّدَتْ مناهجه يد الحكمة الإلهية إحياء لمعان فات على كثير من النفوس تلقيها، وغاب عنهم - بترك التروض بها - جمال معانيها وعمق مقاصدها ونبل مراميها.

أولى تلك الأهداف وأسماها سعي رحلة الركن الخامس بروادها إلى تعريفهم على ربهم سبحانه وتعالى تذللاً بين يديه ورقاً، تذوقاً لمعاني العبودية وعتقاً، ولا سبيل إلى


(١) اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح نور الإيضاح في مناسك الحج للنووي ص ٤١٤.
(٢) نفس المرجع ص ٤١٤.

<<  <   >  >>