ذلك إلّا بمجاهدة النفس بالكفّ عن الأهواء والحد من الملذات بحيث يتحكم المسلم بدفتها يأخذ منها ما صفا ويدع ما كدر دون أن يشغله شيء منها عن الوصال بمحبوبه الحقيقي وهو الله جل جلاله.
ولقد ساح الربانيون من أبناء الأمم السالفة في أنحاء الأرض متجردين لله سبحانه وتعالى يكتفون من المتع الدنيوية بالضروري منها زاهدين بما لا يقيم أود حياتهم مؤثرين الانحياز إلى العزلة والتفكر والأنس بالله عن الأنس بالخلق.
ولما جاء الإسلام جدد في هذه الأمة سلوك طريق الآخرة، وجدد في أبنائها سنة التعرف على الله بالمجاهدات بغية أن يقوم خلق المسلم على هذا النهج الذي لا تنقطع فيه غراس الإيمان التي ساحتها العقل عن جذورها التي مستقرها القلب لتبقى روافد التغذية متصلة وعملية الإرواء والتنقية متواصلة لذلك أبدل ربنا جلَّ في علاه سياحة السابقين التي قامت على التجرد من الدنيا لله إلى سياحة أخرى تحاكي الحياة ولا تتجرد عنها، تمتطي صهوتها دون أن تستوحش بها، وما ذاك إلّا لأن الإسلام دين جهاد، ومنهج حياة لذلك أقام المولى الحكيم من فرائض هذا الدين مدارس تخصصية لبناء صلة قوية بين العبد الفقير ومولاه الجليل ثم توج ذلك بمؤتمر الأمة السنوي الذي تحتفل فيه على مستوى القرى والمدن والأقطار والقارات وجعل منه أم الفرائض الإسلامية الذي يشتغل بتعميم الأهداف الإسلامية وترسيخها ونشر عبقها في العالمين.
فالحج إلى بيت الله الحرام رهبانية هذه الأمة، يسيح فيها حجاج بيت الله العتيق من كل فج عميق شعثاً غبراً قاصدين بتواضع ملك الملوك راجين عفوه ومتيمّنين داخل أسوار عرينه جميل صفحه، جالسين على مائدة ضيافته لذلك جاؤوا إليه في سياحة خاصة متجردين عن شارات الدنيا وأمارات الكبرياء مقبلين بتواضع ونشاط على مناسك هذه