الفريضة رغم ما يعتريها من جهد وما يصاحبها من مشقة رجاء أن يبلغوا بهذا الانقياد رتبة الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلّا الجنة.
ضيوف الرحمن يفعلون هذا سواء اهتدت إلى حكمته عقولهم، أو غاب عن ذلك قصورهم لتسليمهم بأن الداعي لهم إلى هذا اللقاء الحاشد هو الله، وليقينهم بأنهم إنما يجيبون بقدومهم نداء مولاهم جلَّ وعلا العلي الكريم والحليم الرحيم المنزه عن العبث فيما يأمر ويحظر، وأنه يكفي في قول لبيك وفعل لبيك أنه يرمز إلى حسن الانقياد وتمام الرضى واليقين والتسليم.
لأجل ذلك غلب على فريضة الحج لغة الرمزية التي تنطق بكلام لا حروف فيه، وتعبر ببيان تعجز عن الإحاطة به أقلام الباحثين وبلاغة المتكلمين.
إن أولى ما يرمز إليه رمي الجمار هو التذلل والانقياد لتعاليم الله، إظهاراً منه للرق والعبودية، وتشرفاً منه بتجلبب رداء التواضع والامتثال، وانتهاضاً لهمته للاستجابة لأمر الله فيما يستقبله من أيام وما يعترضه فيها من ابتلاء وأحكام، يحكي الرامي هذا بفعله، بعد أن حكاه لسانه بقوله: لبيك حقاً حقاً، لبيك تعبداً ورقاً.
وثاني ما نقرؤه في هيئة الرمي هي تلك الرمزية القوية التي يستحضر معها ضيوف الرحمن صورة التزييف والتأبي في حلقة ناطقة باستمرار معركة الصراع بين الخير والشر، والتي من محطاتها ما عرض على إبراهيم عليه السلام من أمر الشيطان الذي اعترضه منتصباً عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب.
إنها إشارة إلى تلك المعركة التي تستعر نارها يومياً بين جنود الحق الداعين إلى الأخذ بتعاليم الإسلام على قاعدة:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَرْضُ}[الأعراف: ٥٤]، وأهل الباطل