للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنادين بالاغترار بالأهواء الآسرة، والشهوات الجانحة، واللذائذ الماجنة (١).

رمزية رمي الجمار لها أكثر من وجه صحيح:

فهي من جانب ترمز إلى التشبه بإبراهيم خليل الرحمن في ثباته أمام ما عرض له الشيطان من تزيين ما حرم الله عليه حين عمد إلى إدخال الشبهة على حجته، أو تسويغ الأمر لمعصية ربه، ومن جانب هي ترمز إلى أن لا حيادية في معركة مصيرية كهذه يمكن للانهزام فيها أن تضيع معه معالم الحق الإبراهيمي وتنزلق قدم العبد عن مدارج المعرفة الإلهية فيخسر بالملهيات لذة تذوقه لمعاني العبودية بين يدي مولاه، وتعرفه عليه، ثم يخسر ـ لا قدَّر الله ـ امتحانه الحقيقي يوم يقف مع الواقفين في عرصات يوم القيامة خالي الوفاض لا عمل ينجيه ولا طاعة يحصد ثمرتها في موقف يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.

ومن جانب آخر هي ترمز إلى أن رضوان ربنا الأعلى هو الهدف المنشود الذي يتقلب في أحضانه العبد المسلم، ويسعى حثيثاً إليه، فهو لله يحيا، ومن أجله يمضي وفي سبيله يفعل كل شيء، ويبذل كل نفيس، لذلك نجده لم يتردد في ارتداء ثياب تشبه الأكفان وفي رمي حصيات في الوقت والوجه المخصوص إرغاماً للشيطان، وإرضاء للرحمن.

كما يرمز الرمي إلى تعبئة روح المسلم معنوياً ليملك الزاد الكافي في مواجهته


(١) إنها المعركة المفتوحة على كل صعيد، ومن خلال كل نافذة، فهي حوار عقلي، وهي جهاد أخلاقي، وهي نبذ للرذيلة وتسويقها في الساحات والأسواق والأقنية الفضائية والأرضية باسم الانفتاح والحرية الشخصية، وهي تجسيد لرحى المعركة الضروس التي تمضي بقوة فوق ثرى أرض فلسطين الحبيبة بين من يقتدي بإبراهيم - عليه السلام - في تمسكه بحبل الله الذي لا ينقطع مدده، وبالحق الذي لا تفريط فيه، وبالثوابت التي لا نهضة بغيرها، وبين أدعياء ينتسبون إلى إبراهيم زوراً وبهتاناً يتوسلون بذلك سلب فلسطين من أهلها في الوقت الذي يمثلون فيه الوجه القبيح الذي رماه إبراهيم وسما فوق إغرائه.

<<  <   >  >>