للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرى هؤلاء المفتونون وأسيادهم من محترفي الغزو الفكري في لغة الرمزية لدى شعوب وأمم الأرض وسيلة تفاهم وأداة أداء، ثم لا يرون في فريضة الركن الخامس هذا المعنى الحضاري في بلاغته ومقاصده؟ ! (١).

إن هذا التوجه الذي اتبعته في البحث عن الحكمة المختفية خلف تلافيف النصوص في الرمي وغيره، تؤيدني فيه إشارات للإمام الغزالي في "الإحياء"، والعلامة ابن حجر في "حاشيته" كما تقوي حجتي مجموعة من الأحاديث الواردة في خصوص الرمي، ناهيك عن قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨]، والرمي مشي على هدي أبينا إبراهيم، وتشبه به - صلى الله عليه وسلم - في تأبيه على عرض إبليس، وطرده له، لذلك قال الحليمي: "ينوي عند رميه أنه يجاهد الشيطان، ويقول له: إن ظهرتَ لي حَصَبْتُكَ هكذا، ولو كنتُ حاضراً عندما اعترضتَ للخليل عليه السلام تريد إدخال الشك عليه فرماك ودحرك لرميتك مثل رميه هذا.

أو أنه رمى الموبقات أو تبرأ منها فليس بعائد إليها" (٢).


(١) أليس استخدام أسماء المخلوقات الأخرى في حصص الأطفال من خلال وسائل الإعلام المرئية وسيلة لمخاطبة نواة المستقبل تجسيداً لهذه اللغة؟ أليس الرمز إلى أسماء وجهات وأحداث لمعالجة أوضاع اجتماعية وسياسية شاذة في الوسائل الإعلامية تجسيداً آخر؟ أليس على كل دولة قطعة قماش ملون؟ فلماذا تعلن الحروب وتراق الدماء وتستنفر الأمة فيما لو أنزل عَلَمها من سطح مبنى، أو ديس به تحت الأقدام وهو لا يعدو أن يكون خرقة لا قيمة لها لولا رمزيته؟ ! .
ولو لم يكن رمزاً لكرامة أمة ووجودها ترى هل كان يستدعي من الملتفين حوله كل هذا العناء؟ قلت هذا وتوسعت فيه؛ لأن شاباً مغترباً ممن كانوا يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية زمناً طويلة أخذ يجادلني في سخافة عن الرمي ووسيلته وأدائه، لكنني بفضل الله بعد أن اطمأننت إلى قوله أنه ما يزال مسلماً ـ رغم ما يقول ـ وبعد أن حاورته وفق ما سردته عليك، ثاب إلى رشده وشكرني بعد طول نقاش ساخن، وقال لي: هذا أول لقاء أشعر بأنني تقدمت فيه، وتبدلت مفاهيمي دون أن ينهرني من أحاوره. أقول: فلله الفضل والمنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(٢) "الحاشية" للعلامة ابن حجر على "شرح الإيضاح" للنووي ص ٤١٥ ..

<<  <   >  >>