للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦].

فالأمر بالأكل على الندب، وهو محل إجماع العلماء كما مرَّ من كلام النووي، والأمر بالإطعام على سبيل الوجوب لشيء يطلق عليه اسم الصدقة (١)

منها وذلك لقوله تعالى:

{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}.

وذكر الشافعية أن السنة في الأكل والتصدق أن يقتصر على أكل لقم، ويتصدق بالباقي، فإن لم يفعل انتقل إلى الرتبة التالية لها في الفضل، وهي أن يأكل الثلث ويتصدق بالباقي، فإن لم يفعل انتقل إلى الرتبة الثالثة في الفضل -وهي دونهما- وهي أن يأكل ثلث


(١) الشافعية يقولون: يجب التصدق في المتطوع بها بجزء يطلق عليه اسم الصدقة وذلك من لحمها ولحم ولدها المذبوح معها، ويجب كونه غير تافه عرفاً، وكونه نيئاً، وأن يقع لمسلم فلا يُعطى منه ذميٌّ، [ليس هذا من قبيل التمييز أو التقتير -حاشا وكلّا- فالشريعة الإسلامية لا تؤصل ذلك بدليل أن الذميّ تحل له الصدقة كما تحل للمسلم، لكن الهدي والأضحية لسد حاجات المسلمين في أعيادهم في أنحاء الأرض، وفي مكة بالنسبة لوفودهم هناك، لذلك لا يعطى منه الغنيُّ المسلم صدقة من المسلمين وإنما يعطى هدية]. ولا يكفي إعطاؤه مطبوخاً، ولا قديداً ولا جعله طعاماً ودعوة الناس إليه، أو إرسالهم إليه؛ لأن حق الفقير في تملكه لا في أكله ولا يكفي تمليكه ما سوى اللحم من نحو الكرش أو الكبد، بل لا بد من اللحم، ويحرم تمليك الأغنياء شيئاً من الأضحية بخلاف إهدائهم أو إطعامهم كما قلنا فذلك جائز. اُنظر الحاشية لابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٧٤، والمنهاج القويم على المقدمة الحضرمية للإمام ابن حجر الهيتمي أيضاً ص ٤٥٧ - ٤٥٨.

أقول: أما الحنفية فأصل التصدق عندهم لا يجب، ويبدو أنهم حملوا الأمر في الإطعام في الآية على الندب، فلو حبس الهدي كله لنفسه، أو الأضحية كلها لنفسه، لجاز له ذلك؛ لأن القربة عندهم هي في إراقة الدم، أما التصدق باللحم فهو للتطوع. اُنظر الحج والعمرة في الفقه الإسلامي لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر ص ١٦٩. وأرى من خلال المذهبين العمل بمذهب الشافعية ومن وافقهم؛ لأن حبس الهدي أو الأضحية كلها لنفسه يضيع معه الأمر بإطعام القانع والمعتر، وهل شرع الله ذلك إلا من أجل التواصل بين المسلمين تصدقاً أو تهادياً للارتقاء في العيد ومكة بروح الأمة إلى رتبة الجماعة، وإلى ذوبان الأثرة والأنا، وحلول الكل مكانها، هذا والله أعلم.

<<  <   >  >>