للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والهدي والأضحية يفترقان بين التطوع والنذر فيما سوى ذلك:

فإن كانت واجبة لزم التصدق بجلدها وغيره من سائر أجزائها فرضاً وحرم الانتفاع به بأي وجه من وجوه الانتفاع وكذا حرم الأكل منها؛ لأنها خرجت عن ملكه فلم يعد له من سلطان عليها (١).

وإن كانت تطوعاً جاز الانتفاع بجلدها دون بيعه، كما لو لبسه، أو جلس عليه بعد أن يطهره بالدباغ، وجاز الانتفاع بادّخار شحمها، وبعض لحمها للأكل والهدية (٢).

ومن المسائل ذات الصلة الوثيقة بهذا أنه لو كان معه هدي واجب، وهدي تطوع فالأفضل أن يبدأ بالواجب؛ لأنه الأهم والثواب فيه أكثر (٣).

ومنها أن له أن يشترك مع غيره في الهدي سواء كان واجباً أو تطوعاً، وسواء كانوا متقرِّبين أم لا (٤).

ومنها أن الفقير إذا ملك من الواجبة أو التطوع شيئاً جاز له التصرف فيه بيعاً أو


(١) قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري في كتابه المسمى: صحيح ابن خزيمة ٢/ ١٣٧٤: "والعلم عندي كالمحيط أن كل من وجب عليه في ماله شيء لسبب من الأسباب لم يجز له أن ينتفع بما وجب عليه في ماله، ولا معنى لقول قائل إن قال: يجب عليه هدي، وله أن يأكل أو بعضه، لأن المرء إنما له أن يأكل مال نفسه، أو مال غيره بإذن مالكه، فإن كان الهدي واجباً عليه فمحال أن يقال: واجب عليه، وهو مال له يأكله، وقود هذه المقالة يوجب أن المرء إذا وجبت عليه صدقة في ماشيته أن له أن يذبحها فيأكلها، وإن وجبت عليه عشر حبٍّ فله أن يطحنه ويأكله، وإن وجب عليه عشر ثمار فله أن يأكله وهذا لا يقوله من يحسن الفقه".
(٢) الحاشية لابن حجر على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٧٤.
(٣) الحاشية لابن حجر على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٤) المتقربون: هم الذين يقصدون من دفع ثمن البدنة أو غيرها التقرب إلى الله تعالى بإراقة دمها، والتصدق منه أو كله، لذلك قال أبو حنيفة: إذا كان بعضهم يريد التقرب إلى الله وآخرون يريدون اللحم فلا يجوز اشتراكهم أي: لا يجوز عنده أن يشترك سبعة في بقرة مثلاً وبعضهم يقصد القربة وآخر يبحث عن اللحم لنفسه. اُنظر صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٤٣٧، وهذا خلاف مذهب الشافعية.

<<  <   >  >>