للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقران، واستثنى الحنفية حين رأوا في هذين الأخيرين دماء شكر لله تعالى فأجازوا الأكل من لحمها.

ولا خلاف بين فقهاء المذاهب جميعاً أن دم التطوع يجوز الأكل منه وهو هدي التطوع، وأضحية التطوع.

إن الجزء الذي درسته وإياك من كلام جابر الأخير يتضمن العديد من المسائل النفيسة التي تفوت معظم حجاج اليوم، وقد عملت بتوفيق الله على تناول أبرزها ولم أتعمد الاستقصاء وفي ختام الارتحال بين محطاتها أحط رحلي عند آخر ما يمكنني رؤيته هاماً فيها، وهي الملاحظة التي لم أقرأها في كتاب، لكنني أعتصرها من وحي تجربتي السنوية في إطار هذا الركن العظيم.

إن هذا العدد الهائل من البدن التي نحرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتي بلغت المائة، فعل ذلك بيده لثلاث وستين منها، واستناب علياً فيما غبر من تمام المائة، يشكل محطة ما ينبغي أن نتجاوزها دون أن نقف عندها ملياً:

ففي هذا المشهد استحباب تكثير الهدي واستحباب أن يباشر الحاج نسك ذبح الهدي بنفسه، مجسداً في عمله ذاك روح الإقبال على الطاعة، ومتعة تنفيذها استجابة لأمر الله. بيد أنّ هذا المشهد فيه معنى آخر هو غير ما ذكره الفقهاء نستخلصه من معرفتنا للثمن الباهظ الذي يبذل في جانب كل بدنة، ثم في مضاعفة البذل إلى مائة مرة مع تضاعف عدد الإبل إلى هذا الرقم، الذي يصل معه الثمن النهائي إلى حد بالغ العلو في الأداء، بما يشير إلى الجانب المادي في رحلة الركن الخامس، حيث يتوازى الجهاد بمشقة النفس مع الجهاد ببذل المال في عبادة يتعانق فيها الجهادان في طريق واحد، وصوب غاية واحدة.

وقفة تعيدنا إلى الأصل الذي استند إليه فقهاؤنا في وجوب الحج، وهو في القرآن

<<  <   >  >>