للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، وفي الحديث الشريف في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس ... " وآخرها "وحج البيت من استطاع إليه سبيلا".

مصدران يؤصلان في هذا الواجب روح الاستطاعة البدنية والمالية، ويلقيان مع حديث جابر في نحر بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضوء كثيفاً على طبيعة الإنفاق المرافق لهذا الركن من البدء حتى المنتهى، وكيف أنه ليس بذلاً بسيطاً ولا رمزياً لكنه حقيقي وباهظ، يرمز إلى صدق العبد في ولائه لسيد الأرض والسماء والوجود كله ألا وهو الله عزَّ وجلَّ.

نفقات الحج لم تكن يوماً إلّا برهاناً على إيمان صاحبها، في إقباله على ربّ العزة في بيت الجلال والجمال البيت العتيق، بقلب متواضع، وتوبة صادقة، وندمٍ أكيد على ما فات من اجتراح المعاصي والآثام في إقبال ممهور بالأمارات الصادقة والعلامات الفارقة على هذا السعي الحثيث لينال رضوان الله في حجٍ يعمل فيه بكل ما في وسعه ليكون الجزاء عليه هو الجنة.

من زاوية أخرى فإن نحر هذا العدد الهائل من الإبل مضافاً إليه طول المدة التي قضاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ خروجه من المدينة حتى عودته إليها في حجة الوداع، مع ما يعنيه ذلك من نفقات سفر وإقامة وطعام، كل هذا يرد على أولئك اللاهثين خلف مناسك لا إنفاق فيها فإن تيسر لهم ذلك أدَّوها، وإلّا فلا مصلحة لهم فيها! والأفظع من هذا عندما يشترطون في رحلتهم أن ينالهم نصيب من حطام هذه الدنيا، ويجادلون في تحديد نسبته وإمكانية الزيادة فيه وإلّا فلا حاجة عندهم في تلك الرحلة المباركة! وأحياناً يجري ما هو أشدّ سوءاً، وأكثر إيلاماً عندما يذهبون إلى مكة بقصد التكسب بشتى الوسائل المتاحة، منتقلين مع حجاج بيت الله الحرام من مكة إلى عرفات فمزدلفة فمنى فمكة، ثم العودة إلى

<<  <   >  >>