للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منى لأجل الإقامة فيها الليالي المعدودة المعهودة، ثم لا يؤدون مناسك الحج بزعم انشغالهم عن الله وتجلياته في مواطن رحمته بما بين أيديهم من أعمال زهّدتهم بالآخرة، وكان حقهم أن يزهدوا بدنياهم في مواقف العبرات واستمطار البركات!

رأيت هذا بين السائقين! رأيته بين المطعمين! ورأيته بين المطوفين ومن يدور في فلكهم من أدلاء الحج ومن نحا نحوهم من موظفين! ورأيته بين سائر شرائح العاملين المنغمسين في تحصيل دنيوي قليل رغم ما يحيط بهم من منافذ الخير العميم!

يزهدون بهذا الحصن الحصين مع أنهم يصعدون إلى موقف عرفات، وينفرون إلى ربا مزدلفة، ويبيتون في أرض منى، لكنهم عن الحج الذي قصدوا رياضه محرومون! وما كان يفصلهم عن التمسك بأستاره سوى نية صادقة، وعزم أكيد لا يتعارض مع خدمة ضيوف الرحمن بالأجر الذي يبتغونه من فضل الله!

إذن هناك فريق من الحجاج يبحث عن تجريد مناسك الركن الخامس من قسيمها المالي! وهو بهذا إنما يخالف الحكمة التي من أجلها شرع ربنا الحكمة إلى بيت الله الحرام، وهي الجهاد بالمشقة البدنية والمالية معاً، وسواء بسواء.

وهناك شريحة أخرى تزهد بكل ما في رحاب المناسك من تجليات حين تقزّم قصدها إلى عرض من الدنيا قليل! لا همّ لها إلّا أن تنال أيّ شيء دون أن تبذل في سبيل مرضاة الله تعالى أيَّ شيء! .

إنهم بمحاولتهم الالتفاف حول هذه الحكمة إنما يضادون العلة التي أقيمت حولها حياض الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلّا الجنة، والذي لا يدانيه برهان على صدق ولاء العبد لسلطان المولى العظيم، اللهم إلّا الجهاد القتالي في حربٍ يخوضها بسيفه، لا يرجع منها بشيء من نفس أو مال، بعد أن صعدت روحه فيها إلى بارئها. نعم في كلا

<<  <   >  >>