للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذريعتهم في ذلك أنك في عبادة، والعبادة تلازمها صفة الزهد، وهو ما يتنافى مع صرف المال في سائر الوجوه!

المشكلة التي يعانيها الإخوة أنهم لا يملكون خريطة لتحديد ما هو إسراف مذموم فعله، وما هو بذل محمود شأنه! يتفوهون بهذا متجاهلين أن جميع ما ينفقه متوسط الحاج السوري في كامل رحلته لا يبلغ عشر معشار ما أنفقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر وحده! كما يتغافلون عن اشتراط الفقهاء لراحلة (١) تليق بالمسافر، وتليق بوضعه في مجتمعه الذي ارتحل منه، لذلك لم نجدهم يشترطون وجود راحلة فحسب وإنما يراعون الشرط المذكور، لا بل وجدت فقهاءنا يقولون: إن لحقه بالراحلة مشقة شديدة اشترط وجود مَحْمِل (٢) فوق الراحلة، فإن لحقه في ركوبه مشقة شديدة مع وجود المَحْمِل اعتبر في حقه الكنيسة (٣)، وهي أعواد مرتفعة في جوانب المحمل يكون عليها ستر دافع للحر والبرد (٤).

ولا بد أن هذا يتطلب نفقات كبيرة تتناسب مع عظمة هذا الركن وغاياته والزمن الطويل لأدائه نسبياً.

في خضم هذا الاختلاف أجد من الخير أن أعود إلى ضابط الإسراف والبذل


(١) الراحلة هي الناقة التي تصلح لأن ترحل، ومراد الفقهاء بها كل ما يركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى. قال المحب الطبري: وفي معنى الراحلة كل دابة اعتيد الحمل عليها في طريقه من بِرْذَوْن أو بغل أو حمار. اُنظر النصّ بتمامه في مغني المحتاج للعلامة محمد الخطيب الشربيني. أقول: ويلحق بهذا أي وسيلة نقل اعتاد الناس حمل أنفسهم عليها في أسفارهم اليوم كالسيارة والحافلة والطائرة.
(٢) المحمل على وزن مَجلِس واحد محامل الحاج، وهو شقان على البعير يحمل عليهما العديلان المسافران كل واحد منهما على شقِّ جانب البعير.
(٣) يبدو أنها قريبة من الهودج، وهو غرفة تنصب فوق البعير سواء كانت فيه ظعينة (امرأة) أم لا.
(٤) اُنظر مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للعلامة الشيخ محمد الخطيب الشربيني ج ١ ص ٤٦٣ - ٤٦٤.

<<  <   >  >>