المحمود لئلا تتداخل الشواهد، فتختلط المفاهيم ولئلا نسيء الظن في الذي ينهانا عن السَّرف، ولا نقع ضحية لشباك من يستدرجنا إلى الإنفاق المذموم، لاسيما وأن هذه الرحلة مدرسة كبرى تروض نفوس المنتسبين إليها إلى الطواعية لأمر الله، ومجاهدة الأهواء والشهوات، وإحكام السيطرة على مقود النفس البشرية، لتسمو نفوس أبنائها في مدارج الرجال الذين تنتظر منهم أمتهم الكثير في حمل آمالها وآلامها.
الحق الذي أتى على ذكره الفقهاء أن طيب الزاد ليس من الإسراف وهذه هي القاعدة الأولى في هذا الموضوع؛ لأن زاد الرجل دليل كرمه، بدليل قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:"من كرم الرجل طيب زاده في سفره".
القاعدة الثانية: أن التوسع في الزاد الطيب مطلوب ما لم يتجاوز حد الاعتدال، وإلا بلغ بصاحبه رتبة السَّرف.
القاعدة الثالثة: يقاس على المطعم كل من المشرب والملبس والمسكن فننحو بها ذات النحو في أمر الطعام.
القاعدة الرابعة: البذل في سبيل الله إطعاماً أو إسقاء أو إسكاناً أو رعاية، أو هدياً أو غير ذلك من المكارم التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم في طباعه اليومية، فضلاً عن عباداته تحت سقف هذا الحصن الجليل، لا يعد من السَّرَف في شيء.
القاعدة الخامسة: لا حدود في ضابط الاعتدال في البذل ما دام ذلك وفق طاقة المعطي المادية؛ لأنه لا سرف في كثرة البذل مهما بلغ، بدليل ما وجدنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، وبعد أشهر لقي ربه، ولا مال عنده.
كيف لا، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١]، كما قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا