للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه الإسلام، ودعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرِجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧].

ويؤخذ من كلام النووي وابن حجر الهيتمي خاصّة، وسائر الفقهاء عامَّة، أن التواضع في الوسيلة والغاية والهيئة هو الأليق بهذه الفريضة، وهو الأقرب إلى هيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتقدم عليه أحد في الفضل، لذلك قال إمامنا النووي: "وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجَّ راكباً وكانت راحلته زاملتَه" (١).

والزاملة بعير يحمل عليه المتاع والطعام، لكنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت حاجاته محمولة معه تصحبه على البعير الذي يركبه (٢).

كما قال إمامنا النووي: "فإنْ كان يَشقُّ عليه الرَّحْل لعذر كضعفٍ أو علةٍ في بدنه أو نحو ذلك فلا بأسَ بالمَحْمِل"، بل هو في هذه الحالة مستحب.

وإن كان يشق عليه الرَّحْلُ والقَتَبُ (٣) لرياسته وارتفاع منزلته أو نسبه، أو عمله، أو شرفه، أو جاهه، أو ثروته، أو مروءتِهِ، أو نحو ذلك من مقاصد أهل الدنيا لم يكن ذلك عذراً في ترك السنة في اختيار الرَّحل والقَتَب (٤)، فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من هذا الجاهل


(١) الحاشية لابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٣ - ٣٤.
(٢) الحاشية لابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٤.
(٣) القَتَبُ والرَّحْلُ متقاربان، والمراد ما يوضع على الناقة من خشب مشدود يجلس عليه. فهذا هو الواجب. أما المَحْمِلُ والهودج فهما متقاربان أيضاً والمعنيّ بذلك غرفة فوق الناقة فهذه لاتجب إلا لعذر. اُنظر "مغني المحتاج للشربيني ج ١ ص ٤٦٤".
(٤) قال العلامة ابن حجر الهيتمي في المرجع السابق ص ٣٥ في تبيانه لهذا المعنى: "قد يستشكل بقولهم في باب صلاة الجماعة: لو لم يَلِقْ به العُرِيُّ لنحو منصب سقطت عنه كالجمعة، وفي باب الخيار: لو اطلع على عيب لمركوبه أو ملبوسه ولم يَلِقْ به نزعه أو النزول عنه، فلم ينزعه، ولا نزل عنه، لم يسقط في حقه من الرد، ونحو ذلك كثير في كلامهم لمن تدبره! فلم لم يقولوا بمثل ذلك هنا مع أنه أولى؟ ؛ لأنه مجرد سنة ليس فيها حق لآدمي، وذلك إما فرض كفاية أو عين، أوْ ما فيه حقُّ آدميٍّ وقد يجاب بأنه لا يلزم من المسامحة في ذلك لكثرة ما يترتب عليه من الضرر (ويلزم) إلى الرياسة والمناصب بخلاف الحضر"، كما قال: "وأكثر السلف على كراهة ركوبها لغير مرض ونحوه بخلافه مع ذلك فإنه سنه".

<<  <   >  >>