للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمقدار نفسه، والله أعلم" (١).

فالتواضع هو الوصف الذي لا يليق غيره برحلة القصد إلى حمى البيت العتيق، أما الإسراف والترفه فهو مما يتنافى مع مقاصدها، وأهدافها وغبار الجهاد الذي يتخرَّج من تحت طبقاته رجال الأمل، وصنَّاع المستقبل، لذلك فالأجدر بخصال المسرفين المترفين أن تقصى عن حياض الزمان والمكان الذي يقام على إحداثياته مناسك الترويض والبناء الحقيقي لمنتسبي هذه الجامعة الحقيقية.

ومن لازم هذا الكلام أن الموائد العامرة التي تقيمها فنادق النجوم الخمسة، ذات الدرجة الأولى، في مكة المكرمة، للمحرمين من حجاج المسجد الحرام في مطاعم تنتصب فيها العشرات من ألوان الأطعمة والأشربة الفارهة، في أجواء بزخ وترف، تنسي الفقر وأهله والفقير وآلامه، والحاجة وبواعثها، والتربية ووسائلها، والهدف وسمّوه (٢)

لا بل تنسي أن لهذا المسجد شقيقاً أسيراً يسام وأهله صنوف الخسف والعذاب في قدس فلسطين قدس الأمة المسلمة المرابطة الثَّكلى، وفي جنباتها لا يجد


(١) نفس المرجع والصفحة.
(٢) هذه الصورة تتكرر بأسىً أفظع في عرفات ويتجلى ذلك من زاويتين: الأولى الرفاهية المبالغ فيها من رفع للخيام على الطريقة الألمانية كما يسمونها، وتغليف لها من الداخل بأنواع الستائر الفاخرة، ووصل الأقنية الفضائية إلى داخلها، وفرشها بما يشبه غرف الاستقبال للضيوف، وتزويدها بمسابح بلاستيكية وألعاب للأطفال، وإضاءة متعددة الألوان والأشكال من تجسيد إلى شجر النخيل الاصطناعي وغيره، ناهيك عن الكثير الكثير الذي شاهدته بعيني، ولم يخبرني عنه أحد. الزاوية الأخرى هو تبدل موضع الخيام الفارهة هذه من سنة لأخرى، وفي كل عام تتم الإشادة من الصفر بما في ذلك بناء الحمامات وتزيينها بالسيراميك بأرقام خيالية ثم بعد أيام يهدم هذا كله! ..

<<  <   >  >>