أبناؤه سوى الحصير، والبسط القديمة البالية للصلاة والجلوس عليها، ولا وسائل التهوية البدائية لتخفيف وطأة الحر الشديد، ولا اللقمة المشبعة المحرّرة من ذل القيد والهوان ولا غير هذا من الحاجيات أو الضروريات فضلاً عن أنواع السجاد النادر، والتكييف المركزي وأصناف الألبسة المميزة، وموائد الطعام الممتدة، التي يتمتع بها بفضل الله هذا النوع من فنادق مكة المكرمة فأين نحن من الوسيلة الرفيعة، والغاية النبيلة والشعور الدافئ الذي من المفترض أنه يسري من أجواء الإحرام في النية واللباس والمحظورات، وهيئة الأداء والموقع والارتحال؟ أي ما نحن فيه اليوم من رحلة غدت ترفيهية دنيوية، أكثر منها جهادية إنسانية وتربوية أخروية؟ أين حسن الصلة بالله من صبغة الغفلة عن الله التي لفّت شرائح من حجاج هذه الأيام، وهي الرحلة التي عُبِّدَت لتكون طريقاً واضحاً يتعرف فيه عباد الله على سلطان الله، ويتذوقون بين يديه معاني التذلل والتضرع والإنابة إليه؟
أنبه على هذا واعتقادي الجازم أنّ من بين من اعتادوا على حياة الرفاهية هذه أصحاب قلوب واصلة، ومشاعر دافئة، وإيمان صاف زلال، فلا تحجبهم عن ربهم كل موائد الدنيا، وأسباب المظاهر فيها؛ لأن لهم قلوباً تعاهدوها، وأوراداً سقت بِوَارِدها غراس الإيمان في قلوبهم لكنّ الذي يظل مأخذاً عليهم أن هذا الذي لم يُحرّمه الشرع بحال، هو مما كرهته آداب الإسلام بعد أن تعارض مع الانتساب لهذه الفريضة في الوسيلة والقصد.
أين نحن من حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في حين غدا اليوم مباهاة بين شريحة من الحجيج على عَرَضٍ من الدنيا قليل، وقد كان في زمن السلف الصالح ترويضاً جاداً للتحرر من قيودها، والعلوّ فوق شهواتها، امتلاكاً من العبد الصادق لدفة رُبّانها. قال العلامة