النووي في وصاياه:"التاسعة عشرة: أن يتجنَّب الشِّبَعَ المفرط، والزينة، والترفّه، والتبسط في ألوان الأطعمة فإنّ الحاجّ أشعث أغبر"(١).
بعد هذه التغطية الفقهية لمسألة هي من أكثر ما ينتصب في طريق الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلّا الجنة، ثمة ما يخفف كراهتها، وهي أن أكثر هؤلاء الإخوة إن لم نقل جميعهم، إنما يدخلون مكة المكرمة متمتعين، وبالتالي فإنّ التقشف، والابتعاد عن عادات المترفين بالإمكان حصره زمن الإحرام، وهو ما يبدأ لحظة الإحرام في الطائرة عند ما تحاذي الميقات أو تكاد، وتستمر إلى أن يصل الحاج مدينة الحجاج بجدة، متوجهاً إلى المسجد الحرام ليطوف طواف العمرة، ويسعى سعيها - وهما ركنان فيها - ثم يؤدي ركن التحلل وهو الحلق أو التقصير وهناك يغدو حلالاً كواحد من أهل مكة، يمارس مثلهم جميع ما كان محظوراً عليه وقت إحرامه، وهكذا يمضي في حله في فندقه من أرض الحرم إلى أن تطلع شمس اليوم الثامن من ذي الحجة، حيث يحرم من مكان إقامته، ويبدأ لتوّه برحلة إحرام جديدة من قائمة المحظورات المعهودة، التي تتنافى مع موائد الملوك والرفاهية، وبذلك يعود المعنى الذي واكب الحاج في إحرام العمرة ليصاحبه هنا في إحرام الحج، لا سيما في خيمة عرفات التي لا يتفق تعدد الطعام ألواناً والشراب أصنافاً كثيرة، مع وظيفتها الجليلة، وهي التي تؤدى في وقت خطير جداً لا يمكن تداركه إذا فات، بخلاف غيره، لذلك حذّر العلماء العاملون من التقصير فيه، بينما يأتي مثل هذا السَّرَف مشغلة للقلب، مضيعة للوقت، وهو ما يثبط الهمة العالية التي لا يجوز أن تصرف لغير الاجتهاد في العبادة، وهو ما لا يليق في هذا الظرف