الاستثنائي من عمر الركن الخامس فإذا نفر الحاج من عرفة، وبات بالمزدلفة، ورمى جمرة العقبة، ثم حلق أو قصّر، فإنه يعود من هناك إلى وضعه الذي كان فيه قبل إحرامه في بلده أو بين الإحرامين في مكة المكرمة وبهذا لا يعود وجود للمعنى الذي ذكرت.
حين يتحلل الحاج من إحرام الحج لا يبقى أمامه من مناسكه سوى واجبِ المبيت بمنى، وواجب الرمي أيام منى، ثم واجب طواف الوداع عقب ذلك، يوم يقرر مغادرة البيت العتيق.
في هذه الأيام تتراجع الكثير من المعاني التي كان عليها عهد الحاج قبل تحلله، بدليل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى" فهي أيام تجمع التمتع باللذائذ المباحة جنباً إلى جنب مع القيام بواجب العبودية بين يدي مالك الملك، يتجلى هذا المعنى أكثر في الرواية الأخرى التي يرويها الدارقطني عن عبد الله بن حذافة السهمي بلفظ:"أيام منى أيام أكل وشرب وبعال"(١)، والبعال ملاعبة الرجل أهله.
هذه هي الصورة كما ترسمها القواعد المذكورة، وإن كنت أرى أن زمن هذه الرحلة بشقيها الإحرام والتحلل هو ظرف لا ينبغي في مثله الإسراف - لاسيما وأن الإسراف مذموم مطلقاً - تماماً كاستراحة المجاهد، أو كفرصة الطالب بين الحصص المقررة لدروسه، وفيهما لايجوز أن يأتي صاحبها بما يتناقض والوظيفة المناطة به، لذلك فإنّ التنعم بأصناف الملاذ المباحة ترفهاً وتبسطاً، ولو بالنسبة للقادر عليها، ولو في غير وقت الإحرام، فإنه مكروه لغير معنى شرعي أو عذر مقبول. لاسيما وأنّ الإسراف لايقتصر النهي عنه على دائرة الحج، بل هو عام في كل وقت. قال الإمام العلامة ابن