ومنهم العارف بالله، الإمام الحافظ عبد الله بن المبارك، شيخ الإسلام وأحد أعلام السلف الصالح، حيث أتي زمزم فاستقى منها شربة، ثم استقبل القبلة، ثم يقول:"إن عبد الله بن المؤمل حدّثني عن ابن الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ماء زمزم لما شرب له، اللهم! إني أشربه لعطش يوم القيامة". قال: ثم شرب ما شاء الله له أن يشرب"(١).
ورُوي عن الإمام الحافظ الحجة ابن خزيمة محمد بن إسحاق صاحب الصحيح، أنه سئل من أين أُوْتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ماء زمزم لما شُرِبَ له وإني لما شربتُ، سألتُ الله علماً نافعاً.
وذكر عن الإمام الحافظ المحدّث أبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله المتوفى سنة ٤٠٥ هـ أنه شرب ماء زمزم لحسن التصنيف، ولغير ذلك، فصار أحسن أهل عصره تصنيفاً.
أما الإمام الخطيب البغدادي أبوبكر أحمد بن علي محدّث الشام والعراق، المتوفى سنة ٤٦٣، رحمه الله تعالى، فذكر أنه لما حجّ شرب من ماء زمزم ثلاث شُرْبات، وسأل الله عزَّ وجلَّ ثلاثَ حاجات، أخذاً بالحديث، فقضى الله له ما نوى.
نوى بشربه أن يحدّث بتاريخ بغداد بها، ونوى أن يُملي الحديث بجامع المنصور، ونوى أن يُدْفن عند قبر بشرٍ الحافي المتوفى سنة ٢٢٧، فكان له ما نوى بفضل الله.
وعن الإمام المالكي ابن العربي أبي بكر محمد بن عبد الله الأندلسي، صاحب أحكام القرآن، المتوفى سنة (٥٤٣) رحمه الله تعالى أنه قال:
كنت بمكة مقيماً سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكنتُ أشربُ ماءَ زمزم كثيراً، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي ببركته في المقدار الذي يسّره لي من العلم،
(١) اُنظر "شخصيات استوقفتني" لأستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ص ٥٨.