(٢) بئر زمزم يقع على مقربة من الكعبة المشرفة، على عمق (١.٥٦) متراً من أرض الطواف، خلف مقام إبراهيم إلى اليسار، وأنت تنظر إلى البيت. عمق البئر ثلاثون متراً من مستويين: الأول على عمق (١٢.٨ م) عن فتحة البئر. والثاني منقور في صخر الجبل بعمق (١٧.٢ م). أما عن عمق الماء عن مستوى فتحة البئر فيصل إلى حوالي أربعة أمتار، وأما عن عمق العيون التي تغذي البئر عن تلك الفتحة فتصل إلى (١٣ م). ويتراوح قطر بئر زمزم باختلاف العمق بين (١.٥ - ٢.٥ م). ثم العيون الرئيسية التي تغذي البئر ثلاثة: أقواها عين حذاء الركن الأسود، والأخرى حذاء جبل أبي قبيس في الصفا، والثالثة عين حذاء المروة. هذا هو التحديد الذي تم في القرن الثالث وما قبله، وهو ما أيده البحث العلمي حديثاً. اُنظر المرجع ص ٥١ - ٥٣.
ثم إن أول ظهور لزمزم وقع على يد أم إسماعيل وجرى الماء يومها على وجه الأرض فحوطته بيدها على هيئة تشبه فتحة البئر، ثم ما لبث أن انخفض منسوبها إلى أن أخذ لاحقاً شكل البئر الحقيقيي. أما الظهور الثاني فقد حصل على يد عبد المطلب بن هاشم جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي حفر البئر التي تعرف اليوم حتى بلغ حافتها. أما نضوب زمزم فيما بين هذين الزمنين فقد حصل بسبب ما انزلقت إليه جُرهم من المظالم حين استحلت أمور عظاماً واستخفت بحرمة البيت حتى أكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها، وظلموا من دخلها من غير أهلها فسلط الله عليهم خزاعة فأخرجتهم من الحرم فصاروا أذلّ العرب بعد أن كانوا أعز حي جاهاً ورجالاً ومالاً وسلاحاً. هذا ما رواه الأزرقي، وهذا ما نحذر به كل مستبيح لحرمة البيت أن تطاله يد العدالة الإلهية في الدنيا والآخرة. ومع الأيام وتوالي السيول القوية عَلَت الرمال والأحجار بئر زمزم إلى أن أذن الباري بعودته مرة أخرى إلى أرض الحرم حين أتى عبد المطلب في الليل وهو نائم آتٍ فقال له: احفر طيبة. قال: قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني، فرجعتُ إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برّةـ فقال: قلت: وما برّة؟ قال ثم ذهب عني فلما كان الغدُ رجعتُ إلى مضجعي، فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر زمزم، قال: قلتُ: وما زمزم؟ قال: لا تُنزف أبداً ولا تُذَمّ، تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل. قال: فلما أبان له شأنها غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث ليس له يومئذ غيره، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي (حواف البئر) كبر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته. اُنظر نفس المرجع الفصل الثاني ص ٣٩ - ٤٣.