للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبيلا، من أبعد المسافات بدليل اللفظ القرآني: {عَمِيقٍ}، وصولاً إلى بيت الله الحرام في رحلةٍ كرم الله فيها كل من يدور في فلكها حتى وسيلة النقل التي تحمل ضيوف الرحمن؛ لأنها سعت بهم إلى بيته، فأعاد البيانُ الإلهيُّ الضمير إلى النوق وقال: {يَأْتِينَ}، تشريفاً لها.

النوق التي يختارها أصحابها من أفضل ما لديهم قوة وجلداً، عندما تنعتها الآية الكريمة بالضامر فإن في هذا إشارة إلى المشقة البالغة التي تصاحب هذه الفريضة وتجعل منها رحلة جهاد حقيقي لبناء جيل صالح يحمل أعباء الأمة على كاهله، وهو ما ينبغي أن يدركه كل قاصد للحج إلى بيت الله الحرام، فكم من هؤلاء مَن لا علم له بهذا، ولا استعداد عنده لأجل البذل والعطاء، وإن هي إلّا رسوم اجتماعية خادعة تدفع بالبعض إلى اقتحام غمار الركن الخامس حتى إذا وجد نفسه في قلب الزحام نقض غزله، وخرج دون ما جاء به.

وفي سورة الحج، وبعد آيتين من هذه الآية يقول مولانا العظيم: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ شَهْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: ٣٠].

الخطاب القرآني في الآية يلتفت إلينا بالقول: إنَّ الفرض الذي أوجبه الله عليكم في الحج إلى حرمه الآمن لهو من حرمات الله المعظمة التي لا يجوز التساهل فيها، ولا في قدسية الأرض التي تؤدى عليها. قال الإمام القرطبي: "ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، قاله ابن زيد وغيره. ويجمع ذلك أن تقول: الحرمات امتثال الأمر في فرائضه وسننه" (١).


(١) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ج ٤ ص ٥٣.

<<  <   >  >>