{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[إبراهيم: ٣٧] كل هذا الوصف يعطيك صورة صادقة عن طبيعة الرحلة إلى مكة ضمن إطار الركن الخامس، فالآية تصف مكة بالوادي وهذا تصوير دقيق؛ لأن مكة في واد تحيط به الجبال من كل جانب والآية تصف الوادي بغير ذي زرع، وهذا تعميق لذاك التصوير، وبوسعه أن يعطينا فكرة جادة عن الطبيعة المادية الشحيحة للماء، وما يلحق به من أشجار تكاد تكون معدومة في ظل انعدام سببها الرئيسي الذي جعله الله حياة لكل شيء، وبوسع هذا أن يعبر لك عن قسوة الأرض وصلابتها وجدوبتها، ويفي بغرض معرفتك عن الجو المحيط بها من حرارة عالية تلفح الناس، يزيد في شدتها رطوبة الأجواء بسبب قرب المدينة المقدسة من شواطئ البحر الأحمر.
هذه الظروف القاسية التي تقطع عن هذه المدينة أيّ سبب من وسائل العيش شظفه ورغده ما كانت لتنقلب مكة معها إلى سيدة مدن الدنيا لولا الكعبة المشرفة، وتحريم الله لأرضها، وإمدادها بالعناية والرحمة التي لا تنقطع عنها، وهنا تتجلى المعجزة، فالمقدمات الصحيحة ظاهرها تعني استحالة الحياة بمكة المكرمة، والواقع المشاهد أنها وحتى قبل المدنيّة الحديثة التي زحفت إليها كانت ولاتزال قبلة الزوار، ومهوى أفئدتهم، وملتقى التجار والثقافات، وهنا ننتقل إلى ما بدأنا الحديث به، وهي أنّ الذي يقصد مكة، يقصدها لأجل الله؛ لأنها بيته، ويسعى إليها وهو يعلم ما في أرضها وأجوائها وفريضتها من شدة يمتحن الله بها الحجاج والعمّار.
كل من لم يوطن نفسه لهذا النوع من الجهاد فإنه لم يعرف الحج، ولم يفهمه بعد! .
ومن فضائله أنه جمع بين عموم أحكام الإسلام:
فالحج نطلّ من نافذته على الصلاة وما فيها من حكم وأسرار وهي الركن الأول في الإسلام.