للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونلمس في الحج الزكاة وأهدافها الإنسانية النبيلة وهي الركن الثاني في بناء الإسلام.

أما الصيام فيحضر بقوة في العديد من الكفارات.

وفي الحج يترسخ التوحيد باللسان والجنان مع كل خطوة يطوي بها الحاج شوطاً من هذه الفريضة الجليلة.

وفي الحج تكتحلُ العين بالنظر إلى الكعبة المشرفة التي ترمز إلى وحدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وفي الحج المواقع المقدسة التي سبق لإبراهيم وإسماعيل وربما لسائر أنبياء الله ـ كما جاء في الأثر (١)

ـ أنْ أدَّوْا فيها المنسك وفي هذا تجذيرٌ لفكرة امتداد الدين الإسلامي لكل


(١) قيل ما نبيّ إلّا حجَّ بيت الله الحرام، وقيل: إنّ أول من حجه هو آدم عليه السلام، وأنه تكرر منه ذلك أربعين مرَّة. اُنظر تهذيب تحفة الحبيب في شرح نهاية التدريب للعلامة شهاب الدين أحمد بن حجازي الفشني، النسخة بعناية الشيخ قاسم النُوري ص ١٩٨. أقول وهذا ما أرجحه؛ لذلك فإنّ الحجّ إحياء لذكرى مئات الأنبياء والمرسلين الذين تعظمهم البشرية، لا سيما وأنه جاء في الأثر أنه في مسجد الخَيْف موضع سبعين قبراً من أنبياء الله ورسله، وأنَّ قبور نوحٍ وإسماعيل وصالحٍ في ساحة المسجد الحرام، قُرْبَ ماء زمزم، وعلى هذا فأداء الركن الخامس هو خطوة في الطريق الصحيح لتوحيد قلوب البشر، وتآخي أبناء الأسرة الإنسانية، وتجسيد مسيرة المتقدمين من رسل السماء إلى الناس في كل أمّة.

جاء في كتاب إعلام الساجد بأحكام المساجد للعلامة محمد بن عبد الله الزركشي في الباب الخامس والسبعين منه أن البيهقي ذكر في مناقب أحمد بن حنبل أن أحمد بن حنبل روى فقال: "حدثنا ... عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال: ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سبعة وسبعين نبياً جاؤوا حاجين فماتوا فقبروا هناك".
ثم قال: "وقد اشتهر أن قبر إسماعيل وأمه في الحجر ومع ذلك فلم يقل أحد بكراهة الصلاة فيه، بل فيه ما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل ثم نقل عن رواية الطبراني يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن فيه قبر سبعين نبياً. أقول: وقد ذكره صاحب مجمع الزوائد عن البزار ٣/ ٢٩٧ وقال: رجاله ثقات.
ثم قال العلامة الزركشي: "قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: مما وقع لي في تأمّلات الحج السلام على قبور الأنبياء كآدم ومن تبعه، فقد روي أنه ما من نبي خرج بعد عذاب قومه إلّا إلى مكة ودفن بها وأنّ بها مئين أو ألوفاً من الأنبياء".
أقول: ذكْرُ حج بعض الأنبياء ثبت في الأحاديث الصحيحة وسيأتي في أكثر من موضع من هذا الكتاب، أما ذكر حج الأنبياء قاطبة فإنه ورد في الآثار ولم يثبت في الأحاديث الصحيحة لكنني أستطيع أن أعتمده من خلال الاستقراء والاستنباط لا سيما وأن مكة هي أول بيت وضع للناس وأن الأنبياء المذكورين في السنة الموثقة هم نماذج للذكرى فقط من نحو موسى ويونس عليهما السلام مع توثيق هذا بوحدة الدين السماوي وحياً من عند الله، ورسالة حضارة أنزلت إلى البشرية قاطبة، وما الرسل والأنبياء إلّا منابر صدق لتبليغ ذلك للناس.

<<  <   >  >>