للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستهزاء والتحدي وكذا يقال في المسجد الحرام الذي حدّ حدوده جبريل عليه السلام بأمر من ربّ العزة. وفي اعتقادي أصرح آية في كتاب الله عزّ وجلّ في بيان المراد: هي قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥]، فمجرد الميل إلى الظلم في حرم مكة، ونية المعصية فيه، يترتب عليه العذاب الأليم، لذلك قال الإمام القرطبي: "وهذا الإلحاد والظلم يجمع جميع المعاصي في الكفر إلى الصغائر، فلعظم حرمة هذا المكان توعّد الله على نية السيئة فيه. ومن نوى السيئة ولم يعملها لم يحاسبْ عليها إلّا في مكة. هذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم" (١).

ومما يؤيد هذا أنّ ابن عمر كان يقول: "كنا نتحدث أنّ الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله! وبلى والله! وكلا والله! لذلك كان له فسطاطان، أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلّى في الحرم، فقيل له ذلك فقال: "إن كنّا لنتحدث أنّ من الإلحاد في الحرم، أن يقول: كلا والله، وبلى والله". قال الإمام القرطبي بعد أن ساق كلام ابن عمر: "والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، فتكون المعصية معصيتين، إحداهما بنفس المخالفة، والثانية بإسقاط البلد الحرام، وهكذا الأشهر الحرم سواء" (٢).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ج ١٢ ص ٣٦.
(٢) نفس المرجع والجزء ص ٣٤. أما قوله "وهكذا الأشهر الحرم" أي في تضاعف السيآت، ولذلك فسّر الإمام القرطبي بهذا قوله تعالى في الأشهر الحرام: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] أي بارتكاب الذنوب ج ٨ ص ١٢٤.

<<  <   >  >>